خسارة البلاد

TT

مُنيت إدارة أوباما بهزيمة نكراء تامة على أيدي جماعات الضغط التي أنذر الرئيس بإبقائهم، هم وأصدقاؤهم، في أماكنهم في الكونغرس. لقد خسرت البلاد مسؤولا عموميا قادرا، في منطقة يحظى فيها الرئيس بقدر ضئيل من السلطات الشخصية الخاصة به، ألا وهي معالجة الاستخبارات القومية.

فقد سُحب تشارلز فريمان فجأة أخيرا، وهو الذي تم اختياره لشغل منصب رئيس مجلس الاستخبارات القومي، وهي الجماعة رفيعة المستوى الممثلة للكثير من الوكالات الاستخباراتية، والتي تقوم بدورها بإعداد التقييمات للرئيس وباقي المسؤولين البارزين. وأنا على أتم اليقين أن هذا لم يكن سوى قرار مباغت، وذلك على أساس أنني تناولت معه الإفطار صباح هذا اليوم، وحدثني خلال الإفطار قائلا إنه كان بمخيلته أن بإمكانه الصمود لفترة أطول أمام العاصفة التي أحدثتها تعليقاته الصريحة عن السياسة تجاه الصين والشرق الأوسط، والخصومة التي جلبها على نفسه من جماعات الضغط والتأثير الداعمة لإسرائيل وجماعات حقوق الإنسان في التبت. وقال لي: «أعتقد أن هدفهم ليس إيقافي، ولكن المحافظة على تمكين آخرين من الحديث جهارا، والتأكيد على أن الأيباك (وهي لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية، والمعروفة اختصارا بـAIPAC) تعتبر جزءا من العملية الدقيقة المتعلقة بالمرشحين المستقبليين». ولكن بعد زيارة أخرى إلى أعضاء الكونغرس رحل فريمان.

إن هذه نهاية مخزية لواحد من أكثر المناصب المميزة في الحكومة الأميركية. وفي شبابه وعلى أساس طلاقته في اللغة الماندرية عمل فريمان مترجما للرئيس ريتشارد نيكسون في أول رحلة له إلى الصين، ثم شغل بعد ذلك مناصب دبلوماسية في أفريقيا وآسيا، كما عمل مساعدا لوزير الدفاع يختص بمعالجة توسع حلف الناتو، وبعد أن أضاف اللغة العربية إلى مخزون لغاته تم إرساله سفيرا إلى السعودية قبل حرب الخليج.

لقد أخبرني الأدميرال المتقاعد دينيس بلير، مدير الاستخبارات القومية الذي عين فريمان عشية اليوم الذي سبق انسحاب فريمان: «إننا محظوظون بإقناعه إلى العودة مرة أخرى إلى الحكومة، مع وجود التحديات التي تجابهنا في آسيا والشرق الأوسط». ولم يلقِ أحد منا بالا بالمشرعين ـ وأغلبهم من الجمهوريين بالإضافة إلى بعض الديمقراطيين البارزين ـ ممن انضموا إلى جماعات الضغط والتأثير التي وضعت نصب عينيها إخراجه من الترشيح، إذ عمدوا إلى كتابة فيض من المدونات، فضلا عن أنهم زودوا المحررين والمراسلين بالكثير من التصريحات المنقولة على لسان فريمان، وأكثرها مروّع. وفي أحدها أشار إلى الصدام بين متظاهري التبت وقوات الأمن الصينية على أنها «فتنة عرقية»، فضلا عن حديثه من قبل عن الجهود الإسرائيلية الرامية إلى «وأد الديمقراطية الفلسطينية في مهدها». لقد كانت لغة الحديث ملهبة بعض الشيء، إلا أن فريمان شخصيا ما هو إلا شخص معتدل، عميق التفكير، وعنيف بوضوح كالجحيم. ويقول بلير عنه إن قوته تكمن في قدرته على التفكير في الكيفية التي تبدو عليها الأوضاع للأفراد على الجانب الآخر. وأخبرني فريمان أنه إن لم يتم تدريب نظامنا الاستخباراتي على القيام بذلك، ما كان من المفترض أن يتم الترحيب بنا على أننا محررون في العراق. إن المجلس الذي كان من المنتظر أن يتولى رئاسته ليس من نوعية تلك الأجهزة المنشغلة بصناعة السياسة، بل إنه جهاز يجتمع فيه ويتم اختبار خيرة الأفراد داخل أجهزتنا الاستخباراتية البالغ عددها 16، ويقول فريمان حول هذا الأمر: «آخر شيء كنت أرغب في القيام به أن أفرض آرائي عليهم».

وإن لم ينتصر أعضاء جماعات الضغط والتأثير لكان فريمان كلف محللي الاستخبارات هذا الأسبوع لاكتشاف أحجية اختلاق الصينيين حادثة بحرية بعيدا عن ساحلهم، والدروس المستفادة من التفاعلات المختلطة للدول الأخرى. وأورد أنه بمرور الوقت كان من المفترض أن يطالب المحللين بتذكر أن «الأمر لا يعتمد بصورة أساسية على مدى شدة تصنيف المعلومات على أنها سرية، بل على قدر التعويل عليها، حتى ولو كانت على صدر الصفحة الأولى من الجريدة». وكان من المفترض أيضا أن يقوض من تعصب العالم الاستخباراتي عبر مطالبته الأفراد بالالتقاء مع خبراء من الخارج، قد تكون وجهات نظرهم أو رؤاهم «شديدة القيمة، أكثر من التصاريح الأمنية». كما كان سيحولهم إلى التحرر حتى ولو في القضايا «الداخلية»، مثل: «إذا كنا في المرتبة رقم 38 في العالم من حيث الصحة، فماذا يمكننا أن نتعلم من الـ37 الآخرين؟».

لقد رحل كل هذا الآن، وهذا مرده إلى أن نانسي بيلوسي ـ رئيسة مجلس النواب الأميركي ـ قالت لبلير إن آراء فريمان «غير مقبولة أو مبررة»، وقال بلير إن البيت الأبيض أخبره أنه إذا ما كان راغبا في فريمان فعليه أن يذود عن نفسه. وعندما سألت البيت الأبيض يوم الثلاثاء إذا ما كان أوباما يؤيد تعيين فريمان، قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي إنه سيتأكد من هذا، إلا أنه لم يعُد إلي بالرد. لقد تغيب فريمان دون أدنى احتجاج من أوباما.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»