كيف يمكن للموسوي نشر الفضيحة التي هزمت إيران؟

TT

قرأت في جريدة «الشرق الأوسط» العدد رقم 11070 بتاريخ 20/3/2009 مقالا للكاتب الصحافي الأستاذ أمير طاهري تحت عنوان «الحصان الأسود ينـزل إلى مضمار السباق» ورد فيه ما يلي:

«وفي وقت ما من 1985 قررت إدارة ريغان أن جناح رافسنجاني هو الأقوى (نسبة لعلاقة مير حسين موسوي بأميركا أيضا كما في المقال) ومن ثم قررت إغلاق قناة الاتصال مع موسوي، الأمر الذي دفع موسوي إلى كشف تلك العملية عبر مجلة لبنانية تمولها حكومته، وكانت النتيجة فضيحة «إيران غيت» وإغلاق كل القنوات بين طهران وواشنطن، وكانت أولى الخطوات التي قام بها في الرد على ذلك نجاحه في إقصاء منتظري من الوراثة الواضحة للخميني بعد 18 شهرا».

واضح أن المقصود بالمجلة اللبنانية هي مجلة «الشراع» التي أرأس تحريرها منذ صدورها في 15/1/1982، والزميل طاهري يعرف ذلك تماما، وقد التقينا بهذه الصفة عدة مرات، آخرها في قصر الإمارة في الرياض، وقبل موعد مع سمو أمير الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز.. وبعده في فندق قصر الرياض، حيث كنت مدعوا لحضور مهرجان «الجنادرية».

وأما أن حكومة مير حسين موسوي تمول «الشراع»، فهذا خطأ يشبه الخطيئة، لأن «الشراع» لم تتلق «تومانا» واحدا من أي جهة إيرانية منذ تأسيسها وحتى اليوم، ولم ألتق يوما مير حسين موسوي بشكل مستقل، إلا ضمن المجموعة التي أسست «حزب جمهوري إسلامي» مباشرة بعد انتصار الثورة في 10/2/1979، وكان منهم الدكتور محمد علي بهشتي (رحمه الله) والشيخ هاشمي رافسنجاني، والسيد علي خامنئي والسيد عبد الكريم موسوي اردبـيلي ود. حسين آيت (أول رئيس مكتب سياسي في الحزب الذي اغتالته جماعة (مجاهدي خلق) في طهران، وجلال الدين الفارسي (أو الأفغاني) وبحضور السيد محمد صالح الحسيني الذي اغتالته الاستخبارات العراقية في بيروت عام 1983. نعم، كنت من أوائل الشبان العرب ـ يومها ـ الذين قابلوا الإمام الخميني في «نوفل لو شاتو» في ضاحية باريس عام 1978 ـ 1979 ولثلاث مرات، كلها بحضور حفيده السيد حسين مصطفى الخميني حماه الله من غدر خلفاء جده.

وكنت من القلائل الذين رافقوا الإمام في عودته إلى إيران في 1/2/1979، كما كنت من أوائل الذين تلقوا دعوة رسمية لزيارة إيران بعد انتصار الثورة، وقد وصلناها فعلا في 14/3/1979، وقد قابلت الإمام الخميني أيضا في قم وبحضور حفيده السيد حسين في تلك الزيارة..

وعندما كنت أزور إيران في السنتين الأوليين من بدء الحرب العراقية ـ الإيرانية كنت ألتقي قادتها جميعا، فضلا عن إمام الجمعة في طهران آية الله محمود طالقاني (رحمه الله) الذي كان يشكل غطاء دينيا لجماعة مجاهدي خلق قبل أن يحصل الصدام الدموي بينهما، ليقتل في سياقه صديقي المقرب جدا يومها الشيخ محمد منتظري (أبو أحمد) الذي كان يزورني في بيروت، وكان أحيانا يبيت في منـزلي، مثلما كنت أبيت في منـزله في قم عندما كنت أتردد على قم، أثناء عزله عن مكتب الإمام واتهامه بالمرض العصبي لأنه كتب يفضح التجاوزات الأمنية والسياسية التي كانت تقوم بها جماعته، ومنهم هاشمي رافسنجاني تحديدا.

ولعلي لا أستطرد في هذه التفاصيل إلا لأكتب بأن الذي أوصل ما بات يعرف باسم «إيران غيت» التي أشار إليها الزميل طاهري هو بعض المتحمسين للسيد مهدي الهاشمي الذي اعتقل بسبب تسريب هذه الفضيحة.

وأضيف هنا أن السيد هاشمي وزع هذا الخبر داخل طهران ضمن منشور أعده، ولم يتم الاهتمام به، بل جرت محاصرته وجمعه من الأماكن التي حاول توزيعه فيها في طهران، وجرت معاقبة كل من ضبط وهو يحاول توزيعه، ولم يلق أي رواج إلى أن تم تسريبه إلى «الشراع» ظهر الاثنين في 27/10/1986، وأن هذا الخبر سلم لعدة صحف لبنانية آثرت كلها عدم نشره نظرا لخطورته، وقد انفردنا بنشره لتحصل بعدها الضجة العالمية المعروفة.

أما الذي سلمني الفضيحة، فكان اثنان من الشبان العرب الذين أعرفهم كمقلدين للسيد الشيرازي، وهو من الذين لا يلتقون مع الإمام الخميني، وكان أبرز مقلدي الشيرازي المعروفين السيد هادي المدرسي وشقيقه السيد محمد.

الشابان الشيرازيان كانا مقيمين في دمشق، وكنت ألتقيهما فيها كثيرا، وهما من الشباب الشيعي في المملكة العربية السعودية، وكنت أسعى جهدي معهما ومع قادتهما في دمشق ولندن لإقناعهما بالعودة إلى المملكة وعدم المراهنة على إيران لأنها تريد المتاجرة بهم للضغط على المملكة بسبب دعمها للعراق خلال حربه مع إيران.. ويشهد الله أن هذه المحاولة بدأت تطوعا من ناحيتي.. وسأترك للتاريخ أن يسجل بطريقة ما دوري في نتائجها.

لقد تردد كثيرا أن دمشق هي التي سربت خبر فضيحة إيران ـ غيت إلى «الشراع» عبر القائم بالأعمال السوري في سفارة بلاده في طهران إياد المحمود (وهذا ليس اسمه الحقيقي، بل المتعارف عليه) وهو عميد استخبارات سوري من آل إبراهيم خطفته استخبارات الحرس الثوري الإيراني أثناء عمله في سفارة سورية في طهران لدوره في تحرير الأستاذ الأميركي في الجامعة الأميركية في بيروت، روبرت دودج، من سجنه في طهران وإعادته إلى دمشق عبر طائرة سورية مدنية.

وكاد «الدبلوماسي» السوري يدفع حياته ثمنا لهذا الدور، لولا أن خاطب الرئيس حافظ الأسد يومها السيد علي خامنئي، وكان رئيسا للجمهورية الإيرانية، طالبا منه إعادة المحمود سالما إلى بلاده.. وقد تلقت دمشق يومها رسالة شكر من أميركا التي كانت تريد حصار دمشق بعد فضح محاولة إسقاط طائرة مدنية إسرائيلية في لندن.

ولهذا الاعتقاد بدور سوري في إيران ـ غيت نصيب من الإعلام اعتمده الكاتب باتريك سيل في كتابه «الصراع على سوريا» الذي صدر في العام 1988، حيث قال إن نشر فضيحة إيران ـ غيت أنقذ سورية من عملية أمنية أميركية على غرار عملية أميركا ضد ليبيا في نيسان/أبريل 1986، بعد أن اتهمت واشنطن ولندن الاستخبارات الجوية السورية بقيادة محمد الخولي بمحاولة تفجير طائرة «العال» الصهيونية في مطار هيثرو، وهي العملية التي فضحها العميل المزدوج بين الخولي والموساد الأردني الهنداوي.

إذن لم ولن تتلقى «الشراع» تومانا واحدا من إيران عبر تاريخها، ولعل الذاكرة قد خانت زميلنا طاهري هذه المرة.. لذا كتبت هذا الرد إنعاشا لها، ورواية للحقيقة كما عشتها وأعرفها، وقد ارتبطت باسمي وباسم «الشراع» حتى كدت أدفع ثمنها، من دون أن أنسى فضل جريدة «الشرق الأوسط» التي خرج عددها الصادر صبيحة يوم الثلاثاء في 15/9/1987 وعلى ثمانية أعمدة يحمل عنوان: «محاولة اغتيال صائد الصفقات الطائرة» بعد أن حاولت الاستخبارات الإيرانية بتسهيل من استخبارات الأسد في لبنان اغتيالي.. لماذا؟

لقد وصف أحد أصدقاء إيران المقربين جدا كشفي لفضيحة إيران ـ غيت بقوله لي:

أنت لم تعرف بعد ماذا فعلت بطهران.. لقد كنت السبب الأساسي في خسارة إيران حربها مع العراق، لأن نشر الفضيحة أدى إلى وقف تزويد إيران بالسلاح الأميركي مقابل إطلاق الرهائن في لبنان، وأدى هذا الوقف إلى إعادة إبقاء السماء الإيرانية مكشوفة أمام الطائرات العراقية، بعد أن كانت الإمدادات الأميركية الأولى بقطع غيار الطائرات الأميركية منذ عهد الشاه وصواريخ هوك وقطع غيار الرادارات، أدت إلى إسقاط عدد من الطائرات العراقية خلال أسابيع قليلة، وهو ما كان نادرا طيلة الحرب.

ويتابع المقرب جدا من إيران قوله: لقد حاولوا قتلك مرة واحدة، وأنت في نظرهم يجب أن تقتل ألف مرة، فأنت بنشرك هذه الفضيحة وضعت سكينا في قلب إيران، ثم أدرتها لتفتك بكل شرايينها العسكرية.. حتى خسرت الحرب.

ولا أظن بعد هذا يا زميلي طاهري أن يقدم السيد مير حسين موسوي على تـزويدي بخبر هذه الفضيحة لأنها كانت أكبر بكثير من مجرد صراع على السلطة بينه وبين رافسنجاني.. علما بأن الإمام الخميني اكتشف بعد التناقض الدائم بين الموسوي ورافسنجاني، أن من العبث استمرار منصب رئيس الوزراء إلى جانب منصب رئيس الجمهورية، فأمر بتعديل الدستور الإيراني، ليلغي فيه منصب رئيس الحكومة في طهران، ونقل صلاحياتها كاملة إلى رئيس الجمهورية منذ ذلك التاريخ.