سياحة 2009

TT

لا أعلم كثيرا من المناصب أصعب من منصب مسؤول السياحة في المملكة العربية السعودية. فالتحدي كبير والملف ثقيل والمهمة صعبة، تتعلق أساسا بالانفتاح التدريجي على العالم وفتح أبواب البلاد للزوار من الخارج، مع التشجيع المستمر لأجل أن يتعرف السعوديون على بلادهم. وقد نجح الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز أمين عام الهيئة العليا للسياحة في إيجاد مفهوم «الثقافة السياحية» للسعوديين، وبدأت تتكون ببطء ملامح الصناعة السياحية بعناصرها المختلفة. وقد ضم إلى الهيئة ملف الآثار بأكمله، وأصبح بالتالي كل التاريخ الحجري للبلاد، وهو الشاهد على الحضارات القديمة التي كانت قبل الإسلام والتي تلتها، وهي حضارات غنية ذات آثار مبهرة وشديدة الإثارة. ومؤخرا ومنذ أيام استضافت السعودية وفدا رفيع المستوى من اليونسكو في زيارة تفقدية لمعاينة بعض المواقع الأثرية المهمة والمميزة مثل: مدائن صالح والدرعية وجدة القديمة، وتم الإعلان عن إدراج مدائن صالح كموقع تراثي ثقافي عالمي بحسب تصنيف اليونسكو لذلك، وهو بذلك يضع المملكة العربية السعودية بقوة على خارطة العالم الثقافية بحسب المواقع المهمة، وهو إنجاز مهم جدا ويستحق الإشادة والتقدير. الانفتاح المدروس، وإن كان ببطء، الذي تخطوه السعودية للاندماج مع العالم وللحوار معه، ستكون له نتائج إيجابية تنعكس على أصعدة كثيرة بالبلاد. فاليوم السعودية ترسل أكبر عدد من أبنائها للابتعاث للدراسة خارجيا في أكبر برنامج من نوعه عرفه العالم، وكذلك تفتح برامج الحوار الداخلي والخارجي بمختلف وسائله بشكل غير مسبوق وبشكل قوي. واليوم وبهذه الخطوة تخطو الهيئة العليا للسياحة خطوة مهمة جدا باتجاه تنظيم العمل السياحي واحترام التراث الثقافي للبلاد وهويتها التاريخية بشكل عملي، والعمل أيضا على توثيقه مع المؤسسات الدولية الرئيسية. ليس سرا ولا معلومة مخفية حينما يقال إن السعودية بلاد تحتوى على كنوز وآثار تاريخية تتحدث عن حضارات وثقافات كبرى، ولكن السر هو السبب الذي أبقاها بعيدا عن التعاطي معها وتناولها والاطلاع عليها والاستفادة منها. الخط السياحي الذي اختارته السعودية بعناية وحكمة هو الانفتاح على السياحة المحافظة، السياحة التعليمية والتثقيفية، وهي تمكنها من الوصول إلى مكانة مختلفة ومميزة تستقطب فيها المجاميع السياحية المنتقاة من جمعيات علمية إلى مؤسسات ثقافية إلى جامعات إلى غير ذلك من الجهات الشبيهة، وهي جميعا لديها رغبة ثقافية في الاطلاع والتعلم والمعرفة دون أن تشكل خطرا أو تهديدا على التركيبة الاجتماعية أو عادات البلاد. خطوة تعاقد اليونسكو مع الهيئة العليا للسياحة لتوثيق بعض المواقع الأثرية الكبرى بالسعودية هي نقلة نوعية في الفكر وتعاطٍ جديد مع ملف الآثار والسياحة، الذي كان ملفا ساخنا لسنوات لم يتم فيه إجراء أي خطوة جريئة تفتح شهية العالم للتواصل مع السعوديين بشكل سوي وودي. وزادت ثقة السعوديين في أنفسهم فيما يخص الملف السياحي فها هم يقدمون على التصويت لصالح موقع أثري مشهور في منطقة الأحساء ليكون أحد عجائب الدنيا في قائمتها الجديدة أسوة بالنجاح المدوي الذي حدث في اختيار البتراء بالأردن في هذه القائمة.

السياحة في السعودية انتقلت بوعي وبحكمة إلى مرحلة جديدة، مرحلة من شأنها أن تفتح فرصا هائلة للاستثمار والتوظيف ولكن الأهم مرحلة تضمن تواصلا وانفتاحا على ومع العالم طال انتظاره. السياحة السعودية بدأت ترسم خطواتها على الخريطة العالمية، وما حدث مع اليونسكو نقلة نوعية مهمة ومطلوب المزيد منها.

[email protected]