هل يواجه الحزب الجمهوري فرانكلين روزفلت أم كلينتون أم كارتر؟

TT

بدأ الاتجاه الأميركي المحافظ، الذي كان يشهد صعودا فكريا أثناء ثلاثة عقود حققت فيها الضرائب المنخفضة نسبيا والإمداد المالي المستقر أكبر تراكم للثروات الوطنية في التاريخ، يسقط في الهاوية. لقد اتجه إلى حافة انعدام العلاقة السياسية، حيث انقضت عليه ميزانية وضعت على الطريقة الأوروبية وخفت ضوءه تحت ظل رئيس جديد ذي قدرات هائلة وطموح غير متوقع.

وبينما يحذر المحافظون من وقوع كارثة، حسنا بل كارثة كبرى، نتيجة لديون أوباما وضرائبه الجديدة، إلا أنهم متروكون للتفكير في ثلاثة سيناريوهات مستقبلية ممكنة.

أولا، من المفهوم أن المحافظين يبالغون في قلقهم كما فعلوا عام 1993. وقد هاجم الجمهوريون ميزانية الرئيس كلينتون، التي احتوت على زيادة في الضرائب، حيث وصفوها بأنها «غير مسؤولة تماما بمعنى الكلمة». وحذر المحافظون من خسائر كبيرة في فرص العمل. ولكن أيا كانت مشاكل كلينتون في النهاية، إلا أنها لم تكن اقتصادية. وعندما تكون السياسة النقدية مسؤولة وتكون القيود على الإنفاق الفيدرالي موثوقا بها، من الممكن أن يتجاوز الاقتصاد القاري العديد من العقبات، ومن بينها ارتفاع معتدل في نسب الضرائب.

ويقول الخبير الاقتصادي والمؤلف ديفيد سميك: «ليس من الذكاء أن يقول المرء إن الاقتصاد لن يتعافى». وإذا زالت المعوقات أمام خط الائتمان إلى حد ما، يوفر المصرف الفيدرالي الكثير من المال ليكون هناك انتعاش سريع. وسيحتاج الأميركيون في النهاية إلى شراء منازل وسيارات من جديد.

ومن الواضح أن هذا ما يأمل فيه الرئيس أوباما ويتوقعه. وعلى الأرجح أن يرسي أساسا لثمانية أعوام من السيادة السياسية. ولكن توجد مشكلة واحدة. وهي أنه يبدو أن الأسواق تجد نهجه الاقتصادي بعيدا عن الثقة. ويقول سميك: «ما نراه الآن هو 3 تريليونات دولار كعائدات، 4 تريليونات دولار تذهب في الإنفاق. هل هذه ميزانية نزيهة؟ فلتمنحني بعض الراحة». والأمر الأكثر أهمية هو أن الأسواق تضع القليل من الثقة في خطة الإنقاذ المالي المصرفي الغامضة التي وضعتها الإدارة. وقد كان أكبر خطأ مبكر في رئاسة أوباما أن يركز على إصلاحات باهظة في مجالي الصحة والطاقة قبل أن يقنع الأسواق بأنه سيتم إصلاح القطاع المالي، الذي يعتمد كل شيء آخر على تحقيقه.

وربما يكون سيناريو المستقبل الثاني الذي يراه المحافظون دفاعيا. حتى إذا عاد النظام المصرفي إلى أداء التزاماته سريعا، يقدم أوباما اقتراحا بتراكم غير مسبوق للديون، كما تفعل دول أخرى لتحفيز اقتصادها.

ويمكن أن يلقي أوباما لبعض الوقت بمسؤولية الأزمة المالية على السياسات الماضية. ولكن سيكون سيناريو الركود التضخمي، حيث يجتمع تباطؤ النمو مع الأسعار المرتفعة، إنجازا منسوبا إليه، مما يجعله في تصنيف سياسي مشابه لجيمي كارتر أكثر من كلينتون. ويروع احتمال تراكم دين هائل الديمقراطيين المعتدلين. وقد بدأ هذا الاحتمال أيضا في إعادة الوحدة إلى تحالف المؤيدين لمذهب الحرية والمحافظين الاجتماعيين الذي باعد أوباما بين اتجاهاته أثناء الانتخابات الأخيرة. وكمحافظ متعاطف، أؤيد الإنفاق المركز الفعال من أجل مساعدة الفقراء في الداخل والخارج. ولكن كمحافظ أيضا، لا أستطيع أن أؤيد انفجار الديون وإعادة تنظيم القطاعات الاقتصادية الكبرى بواسطة مخططين فيدراليين.

ويوجد احتمال مستقبلي ثالث لا يريد المحافظون التفكير فيه. قد نكون الآن نشاهد صدمة آيديولوجية أساسية، وهو الشيء الذي يدخل في نطاق علم النفس، وليس الاقتصاد. وقد استخدم فرانكلين روزفلت صدمات الثلاثينات، للتشكيك في رأسمالية العشرينات، على الرغم من أن الأسباب الحقيقية وراء الكساد الكبير تتعلق أكثر بالتعريفات الجمركية والسياسات النقدية وإفلاس المصارف.

لقد تشوهت سمعة الاقتصاد المحافظ، حتى مع إثبات أن العديد من سياسات العهد الجديد لم تكن فعالة. وأصبح الزعماء الجمهوريون المنتخبون انعكاسات أقل طموحا لرأي روزفلت الجماعي. وقد استحوذ على الخلاف الفكري متطرفون من أيان براند إلى جمعية جون بيرش. وقد مرت 40 عاما حتى تشكلت حركة محافظة جديرة بالاحترام سياسيا وجادة فكريا. مرة أخرى، هل يتجه المحافظون إلى فقدان نفوذهم الآيديولوجي؟ أشك في هذا بقوة. لا يمكن عقد مقارنة تاريخية بين ما يحدث (حتى الآن) وما حدث أثناء فترة الكساد الكبير. ففي الأزمة الحالية، ارتفعت البطالة إلى نسبة 25 في المائة، وأفلس ثلث المصارف، وانكمش إجمالي الناتج المحلي بنسبة تزيد على 30 في المائة، ولم تعد شبكة الأمان الاجتماعي موجودة. وأميركا الآن دولة أغنى بكثير مما كانت في عام 1929، والودائع المصرفية آمنة، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي بين برنانك، الخبير في أزمة الثلاثينات، يوسع من الإمداد المالي، ولا يخفضه. وليس من المرجح أن يكون أوباما مثل روزفلت. ولكن يظل المحافظون في موقف صعب. ولأنهم يفضلون النجاح الاقتصادي، يجب أن يتمنوا أن يكون أوباما مثل كلينتون، حتى وإن كانوا يشكون ويتوقعون أنه سيكون مثل كارتر.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»