الموعد النفساني

TT

قال لي وكأنه يقرّعني: إن الشخص الذي يخفي رأسه في الرمال، يتيح لخصمه هدفا مريحا.

فسألته وأنا أحسحس على رأسي: ماذا تقصد؟!

قال: أقصد لو أن ربي لم يخلقك إنسانا، لخلقك بدون أدنى شك ذكر نعام.

قلت له: لا حول ولا قوة إلا بالله ولماذا ذكر نعام بالذات؟!، لماذا لا أكون ذكر دجاج مثلا ـ يعني ديك ـ؟!

قال: أعرف أمنيتك الخبيثة أنت تريد أن تكون «نسوَنجي»، ولكن صدقني إنك لو كنت ديكا لهربت من وجهك العكر كل الدجاجات، فلا شكل، ولا صوت، ولا حتى ذكاء.

عندها أصبت بإحباط عظيم، وقلت له وأنا منكس رأسي بالأرض: معاذ الله أن أكون كذلك، ولكن شكرا.

فرد علي بامتعاض قائلا: عفوا، وخرج دون أن يقول لي حتى مع السلامة.

عندها بدأت أستعيد كلامه، وأعيد الحسابات بنفسي، وأول ما توجهت، توجهت رأسا إلى المرآة ورحت أتفرس بملامح وجهي، ورأيتها للأسف فعلا «مسفوطة»، حاولت أن أغني لأختبر صوتي، غير أن حبالي الصوتية أخجلتني، عندها لم يبق عندي غير الذكاء، ورحت أسأل نفسي: «ثلث الثلاثة كم» يا ولد؟! وقد مضى على سؤالي هذا إلى نفسي ثلاثة أيام بلياليها، وإلى الآن لم أستطع الإجابة عليه، ولكن ، ولكن آه من لكن.

كم أنا أحسد الوسماء، والمغنين، والأذكياء.

صحيح أنني أستحق أن أكون ذكر نعام، أو على الأقل ذكر تمساح.

المهم أن ذلك الرجل الذي أحرجني بكلامه وجعلني إزاءه أبدو صغيرا (كحبة السمسمة)، أكن له احتراما كبيرا، رغم أنه لا يبادلني ذلك الشعور بالمثل، ومع ذلك فإنني أقترب منه ذراعا كلما اقترب مني هو شبرا، أتيته في مجلسه بعد ثاني يوم من التقريع الذي ذكرته لكم سابقا، وسألني وكأنه يصدني: ماذا أتى بك؟!

قلت له وأنا أتصنع الخجل: أتيت لكي أتعلم منك يا سيدي.

قال: كيف أعلّم (المتبلّم)؟! إنني لو علمت «حيطة» كانت نطقت وقالت الأشعار، ولكن أمري لله، اسمع يا أيها المتبلّم: في الدول الحرة.

قال لي ذلك ثم توقف وسألني فجأة: تعرف يعني إيه حرة؟!

أجبته بكل صدق وبراءة: يعني الدول التي تسبح فيها الفتيات في البحر وهن يرتدين المايوهات.

عندها زفر زفرة عميقة قائلا: صدق سعد زغلول عندما قال: ما فيش فايدة غطيني يا صفية.

سألته: من هي صفية هذه؟ ولماذا تغطيه؟!

قال: هذا ما هو شغلك، ولكنني فقط أتأسف على رجال العرب الذين هم على شاكلتك، وما أكثرهم، ولكنني ومع ذلك أعيد وأقول لك: إن الدول الحرة (يا متخلف) هي التي يتمتع فيها كل إنسان بأن يكون له الحق أن يعرب عن رأيه بحرية، وهي التي في نفس الوقت يحق لأي إنسان آخر أن لا يصغي لرأي من يتحدث، فالباب مفتوح على مصراعيه، هل فهمت ولاّ (أمصع) أذنك؟!

لا أكذب عليكم أن عقلي «تمخول»، وعيني اليسرى احولت، وبدأت أفح، وكدت أقول له: امصع، ولكنني خفت من الألم لهذا قلت له متلعثما: يعني المسألة ما فيها لبس مايوهات؟!

عندها وقف ورد علي قائلا: لماذا لا تذهب أحسن لك إلى طبيب نفساني ليكشف عليك؟!

خرجت من عنده وأنا أجر أذيال الخيبة، واتصلت فيما بعد بطبيبة نفسانية شابة وأخذت منها موعدا للكشف.

[email protected]