قلت: آمنت بالله!

TT

لم أكن أعرف معاني هذه الكلمات: ضائقة.. ضيق.. اختناق.. فجأة انسحب الأوكسجين من الهواء.. ثم انسحب الهواء، فلا أنا حي ولا أنا ميت..

وأنا أرى أن الحرية: مسافات.. أن تمدد ذراعيك وساقيك على الآخر.. وتجد الجدران بعيدة والنوافذ واسعة.. وكل ما في الدنيا يسعى إليك.. يتوسل أن تراه وأن تسمعه وأن تتذوقه وأن تضع له اسما ومعنى..

ولم أجد غريبا أن يقول أستاذنا عباس العقاد: إن الجمال هو الحرية.. فالصوت الجميل هو الذي ينساب ولا ينحاش في الحلق.. والجسم الجميل هو الذي تسري فيه الحيوية وتنساب دون أن يعوقها شيء.. فلا تتكدس في الساق أو الصدر أو الأرداف أو العنق..

ولكن المرض هو الذي يجعل الدنيا تضيق وتضيق، حتى تشعر كأنه لا توجد مسافة بينك وبين الجدران.. فهي خانقة وأنت مخنوق.. أو المرض والضعف والفقر هو الذي يجعل الدنيا أكبر منك وأبعد من ذراعيك وساقيك وعينيك وشفتيك.. فكل شيء بعيد المنال..

والضائقة هي أن يكون كل شيء ضاغطا عليك، فتكون أصغر وأعجز. فأنا في ضائقة.. أي كل شيء حولي خانق. فلا أستطيع أن أمد يدا أو ساقا ولا أستطيع أن أمد طرفي.. ولا معنى لأن أحاول أن أسمع وأشم وأفكر في أي شيء.. فقد انسحبت الدنيا من مشاعري، وانسحبت المعاني من الألفاظ، والدلالة من الأصوات.. ضاقت الدنيا عني وضقت بها أيضا..

وحاولت أن اعتاد على الذي لم أعتد عليه من قبل. فشلت.. حاولت وضقت.. ولم أجد لكلمات الصبر والشجاعة والإرادة أي معنى.. تصور والعياذ بالله ـ أنك في زنزانة، والزنزانة هي حدود جلدك.. أي أنها ظلت تضيق وتضيق حتى صارت جلدا آخر فوق جلدك.. فقل لي بالله عليك كيف يمكن أن تعيش.. وما معنى أن يكون لأي شيء معنى.. قالوا: الصبر.. قالوا: إن الله مع الصابرين.. قلت:آمنت بالله!