«المغرب»: بقلم مايا أنجيلو

TT

في كتابها الأخير «رسائل إلى ابنتي»، تكتب مايا أنجيلو، شاعرة أميركا السمراء، المفكرة التالية، بعنوان «المغرب»: «مع أنني أحيا في القرن العشرين، فقد كنت لا أزال أحلم بالحياة في بلاد العرب في القرن التاسع عشر. وفي صباح اليوم الأول من وصولي إلى المغرب قمت أمشي بحثاً عن حلمي. كان بعض النسوة في الشوارع يرتدي فساتين غريبة والبعض الآخر يحمي عنقه خلف عباءات سوداء. وبدا معظم الرجال وسيمين في طرابيشهم الحمراء. عبرت الشارع قرب مجموعة من الخيام، فنادى عليَّ بضعة رجال سمر. ولاحظت للمرة الأولى أن المغاربة يشبهون الإسبان أو المكسيكيين أكثر من الأفارقة. كان الرجال يقولون أشياء لا أفهمها وكانوا متقدمين جداً في السن. وتذكرت أنني أرتدي ثياباً تليق بأميركية في الخامسة والعشرين، ولكن ليس بسيدة مغربية في رفقة أفارقة.

مشيت فوق علب التنك الفارغة والزجاجات المحطمة وبعض الأثاث الملقى. عندما اقتربت من الرجال جلسوا فجأة، أو بالأحرى أقعوا على أوراكهم. لقد ربتني جدتي في الجنوب على أنه من العيب أن يبقى الشبان واقفين إذا جلس من هم أكبر منهم. وهكذا أقعيت أنا أيضاً.

ابتسموا وتحدثوا إليَّ بلغة لا أفهمها. أجبت بخليط من الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، لكنهم لم يفهموا شيئاً بدورهم. وتبادلنا الابتسامات فيما قال أحد الرجال شيئاً ما لنسوة يقفن قربنا ويتأملنني بفضول. ابتسمت لهن وابتسمن لي. تعبت فوقفت لأغادر فتقدمت مني إحدى النسوة وفي يدها فنجان قهوة قدمته إليَّ. وفيما رفعته إلى شفتي، لاحظت شيئين: حشرات تدب على الأرض والرجال يهزون رؤوسهم تحبباً إليَّ.

انحنيت ورشفت قليلا وكاد يغمى عليَّ. كان على لساني صرصور. تأملت وجوه من حولي ولم أستطع أن أبصقه. تذكرت الآداب التي علمتني إياها جدتي في الجنوب. أخيراً فتحت حنجرتي على وسعها ودلقت الفنجان كله. أحصيت أربعة صراصير. ثم استأذنت ومشيت إلى أن ابتعدت قليلا ونظفت كل ما في داخلي. لم أروِ القصة لأحد لكنني بقيت مريضة لشهر كامل.

عندما سافرنا إلى مرسيليا نزلنا في فندق رخيص. وذات يوم وجدت عدداً قديماً من مجلة «المختار» وفيه مقال بعنوان «القبائل الأفريقية التي تسافر من الساحل إلى شمال أفريقيا». وفيه أن قبائل كثيرة التي تتبع الطرق القديمة من مالي والتشاد والنيجر ونيجيريا وغيرها من بلدان أفريقيا السوداء في طريقها إلى مكة عبر الجزائر والمغرب تتعامل بطريقة المقايضة. بضائع لقاء بضائع، وأما القليل جداً من المال فيوفرونه لشراء الزبيب. ومن أجل أن يكرموا ضيوفهم يخلطون فنجان القهوة بثلاث إلى خمس زبيبات.

لوهلة تمنيت العودة إلى المغرب لأنحني أمام الرجال وأستميحهم عذراً. لقد قرروا تكريمي بحبات الزبيب الغالية. ذلك بالطبع ما كانت لتطلبه مني جدتي في الجنوب. كان ذلك درساً لا ينسى».