.. ومن يومها لم نعد عيالا!

TT

ونحن طلبة صغار قررنا إنشاء جمعية اسمها «جمعية المفكرين الأحرار». شيء عجيب مع أننا في ذلك الوقت لا نعرف معني جمعية ولا المفكرين ولا الأحرار. ولا أعرف من أين جاءتني هذه الفكرة، وما الذي عندنا ونخاف عليه من القيود أو من السلطة. لا عندنا شيء ولا نحن شيء. وأسسنا الجمعية وبعد أسبوع قررت حلها. ولا أعرف الآن ما مبررات فض هذه الجمعية ولا الألفاظ التي استخدمت. قد جلسنا مرة ومرتين.. ولم نقل شيئا. وانتهت الجمعية. فلا عندنا أفكار ولا نفهم معنى الحرية. فنحن صغار مثل حبات من الظلط على سطح سيارة تهتز ذهابا وإيابا.

المرة الوحيدة التي فكرت في الانضمام إلى جمعية كانت (جماعة الإخوان المسلمين). وقد أغراني بالانضمام أن هناك كتبا، وأننا كنا نذاكر على ضوء مصابيحها فقد كنا طلبة (غلابة).. ولم يكن لدينا مكان نجلس فيه أو نقرأ أحسن من هذه الجمعية..

وربما لهذا السبب قررت الجمعية فصلنا. وفصلونا. وكنا تسعة، ثلاثة منا صاروا من زعماء الشيوعية في مصر وواحد ملحد. فأمه مسيحية من أصل يهودي. وهو الوحيد الذي شجعني على أن أعرف عدة لغات. وتسابقنا وأرى أنني سبقته في عدد اللغات التي أعرفها.. أما والدته فكانت سيدة مؤمنة. قالت لنا: أنت تستطيع أن تذاكر في بيتك وفي الشارع وفي السرير ولست في حاجة إلى مسجد أو كنيسة. وكذلك يمكنكم أن تفكروا في أي وقت وأي مكان دون أن تكونوا أعضاء في جمعية..

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تواجهنا فيها هذه السيدة الجميلة. وفجأة وقفت وفي يدها عصا وانهالت بها ضربا علينا. وكنا سبعة وهي تقول: ذاكروا يا كلاب وبلاش لعب عيال..

ومن يومها ونحن نذاكر ولم نعد عيالا! شكرا لها!