قمة الدوحة.. هل ستنعقد وهل ستكون ناجحـة؟!

TT

هل ستكون «قمة الدوحة» قمة ناجحة.. وقبل هذا هل أن جديدا سيطرأ في اللحظات الأخيرة ويؤدي إلى عدم انعقاد هذه القمة أو انعقادها بالحد الأدنى مـن النصاب القانوني وبمستوى، بالنسبة لبعض الدول الأعضاء، دون مستـــوى القادة والملوك والرؤساء..؟!

قد تكون هذه الأسئلة مستغربة وبخاصة أن الجهود التي بُذلت منذ قمة الكويت الاقتصادية، التي كانت بمجرد انعقادها قد تحولت إلى قمة سياسية عنوانها «العدوان الإسرائيلي على غزة»، قد أزالت الكثير من العراقيل من طريق هذه القمة، وأزالت الكثير مما في النفوس التي جعلتها المناكفات والتصرفات الطائشة متورمة بالغضب والانزعاجات وأن الخيرين في هذه الأمة قد أعادوا القاطرة العربية إلى الطريق الصحيح بعد مسيرة انحراف طويلة ولأعوام كثيرة.

كان هناك اتفاق تم التوصل إليه، في إطار تنقية الأجواء ووفقا للمصالحات التي أفلحت في إزالة التوترات السابقة والتخلص من الاحتقان الذي شهدته الفترة منذ عام 2005 وحتى قمة الرياض الرباعية الأخيرة، على نزع كل الأشواك من طريق هذه القمة، وكان هناك تفاهم مسبق على مسألتين أساسيتين هما: أولا، أن تكون قمة الدوحة قمة عربية بالفعل وألاّ يحضرها إلا العرب وألا يدعى إليها محمود أحمدي نجاد كما دعي إلى القمة الاستثنائية السابقة. وثانيا، أن يكون الحضور الفلسطيني هذه المرة ليس على غرار المرة الماضية وأن يقتصر توجيه الدعوة على منظمة التحرير الفلسطينية وأن يترك قرار تشكيل وفدها إلى الرئيس محمود عباس (أبو مازن) الذي من حقه اختيار الوفد الذي سيرأسه وفقا لتقديراته ومعطياته الخاصة.

والمفترض، حتى يكون الحضور الفلسطيني في هذه القمة على هذا النحو وبهذه الصيغة، أن تكون حوارات القاهرة الفلسطينية قد انتهت باتفاقات ناجزة بالنسبة لكل قضايا الخلاف السابقة وأهمها الاتفاق على برنامج الحد الأدنى السياسي وتشكيل حكومة الوفاق الوطني المنشودة التي يجب وبالضرورة أن تلتزم بكل التزامات منظمة التحـرير وألاَّ تكون حكومة حصارٍ، كما قال محمود عباس (أبو مازن)، وأن تكون مؤهلة للتعاطي مع المجتمع الدولي وبخاصة بالنسبة لإعادة إعمار غزة.

لكن وبما أنه لم يبق على موعد انعقاد القمة إلا خمسة أيام، وبما أن هذه القمة ستنعقد يوم الثلاثاء المقبل، فإن الواضح أن هذه الحوارات الفلسطينية حتى وإن استؤنفت وواصلت اجتماعاتها فإنه من غير المتوقع أن تُفلح خلال هذه الأيام القليلة في إنجاز ما لم تستطع إنجازه في كل تلك اللقاءات «الماراثونية» التي كانت تتواصل في مبنى المخابرات المصرية لاثنتي عشرة ساعة متواصلة ولأيام متعددة طويلة.

وحقيقة أن هذه الحوارات ورغم كل هذا الوقت الذي استغرقته لم تسفر عن أي شيء جديٍّ وملموس بالنسبة لقضايا الخلاف الرئيسية فالمواقف، رغم كل التصريحات المتفائلة التي صدرت عن مسؤولين كبار في كل طرف من الأطراف المشاركة، لا تزال متباعدة، إن بالنسبة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني المنشودة وإن بالنسبة لالتزام هذه الحكومة، إن هي تشكلت ورأت النور، بكل ما كانت التزمت به منظمة التحرير الفلسطينية، وأيضا إن بالنسبة لدور ومهمة الهيئة القيادية التي من المفترض أن تتولى المسؤولية حتى الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة وإن بالنسبة للقانون الذي ستجري وفقا له هذه الانتخابات.

لم تستطع الفصائل الفلسطينية المتحاورة ومعها عدد من الشخصيات التي اُعتبرت مستقلة تنظيميا وإن هي ليست مستقلة سياسيا أن تحقق أي إنجازٍ بالنسبة لقضايا الخلاف الرئيسية والأساسية، وكل هذا بينما كان الاعتقاد الذي وصل لدى البعض حتى حدود اليقين أن الأجواء العربية المستجدة «المريحة» سوف تنعكس إيجابيا على حوارات هذه الفصائل وأن الفلسطينيين سيذهبون هذه المرة إلى قمة الدوحة كوفد واحدٍ، في إطار منظمة التحرير، على رأسه محمود عباس (أبو مازن) وأن هذا الوفد قد يضم خالد مشعل الذي كان حضر القمة الاستثنائية العرجاء على رأس وفد كل أعضائه من الخارجين على هذه المنظمة الفلسطينية.

والواضح، وهذه هي قناعة قادة بعض التنظيمات التي لا تتفق مع «فتح» حتى وإن هي منضوية مثلها في إطار منظمة التحرير، أن العامل الإيراني لا يزال يفعل فعله في ساحة الفلسطينيين وأن إيران ليست بوارد التخلي عن الورقة الفلسطينية وبخاصة أنها بانتظار مسيرة مفاوضات مصيرية مع الولايات المتحدة وربما مع إسرائيل أيضا.

في كل الأحوال، وبغض النظر عن هذا العامل الفلسطيني، فإن طريق هذه القمة حتى الآن يبدو غير سالك وغير آمن، ليمكن الجزم بأنها ستكون قمة بلياقة كاملة، وأنها ستكون قمة ناجحة. فالظاهر أن حضور بعض الدول العربية الرئيسية لم يحسم بعد والواضح أن حضور دول أخرى قد لا يكون على مستوى الرؤساء والقادة ثم إن هناك مخاوف وهي مخاوف جدية من ألاَّ يلتزم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بما طلبته الدولة المضيفة منه وأن يفاجئ المؤتمرين بحضوره كأمر واقع مفروض عليهم. عشية انعقاد هذه القمة، التي تسامى العرب الخيرون حتى على الإساءات الشخصية التي وُجهت إليهم من أجل نجاحها وإنجاحها، تقصدت فضائية «الجزيرة»، التي من المفترض أن تعطي نفسها هدنة في هذه الأيام على الأقل خدمة لأهلها الإساءة لبعض الدول العربية باستضافة بعض «الشتامين» الذين لا يمكن فهم استضافتهم في هذا الوقت بالذات إلاَّ على أنها بهدف حمل هذه الدول على التغيب عن مؤتمر الدوحة أو حضوره بمستويات أقل كثيرا من مستوى الرؤساء والقادة.

ثم وحتى وإن كان الحضور كاملا وعلى مستوى كل القادة والرؤساء، وحتى وإن تم حل العقدة الفلسطينية أو تجاوزها، فإنه لتكون قمة الدوحة، التي من المقرر أن تنعقد يوم الثلاثاء المقبل، قمة ناجحة تلبي طموحات وتطلعات الجماهير العربية، لا بد من أن تخرج بشيء غير البيانات المعروفة التي بقيت تتكرر كل هذه الأعوام الطويلة والتي غدت، بعد تجارب خمسة وأربعين عاما وأكثر، مثيرة للسأم ومملة وينتهي مفعولها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به.

هناك مبادرة السلام العربية، التي قال الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت إنها لن تبقى موضوعة على الطاولة إلى الأبد، وعلى هذه القمة أن تُلزم الجميع بها وعليها أيضا أن تبلور آلية واضحة وقابلة للتنفيذ الفوري للذهاب بها إلى المجتمع الدولي وإلى العالم بأسره، وفقا لجدول زمني محدد وبغير الأساليب «الروتينية» السابقة المعروفة التي بقيت تتبعها الجامعة العربية بالنسبة للقضية الفلسطينية ولم تؤد إلى تحقيق أي شيء فعلي.

يجب أن يكون معروفا ومنذ الآن وقبل انعقاد هذه القمة التي من المقرر أن تنعقد يوم الثلاثاء المقبل أن الرأي العام العربي مصاب بالإحباط وأن هناك حكومة إسرائيلية جديدة تشبه وحشا كاسرا لا بد من مواجهته والتصدي له، وهذا يقتضي أن تكون قمة الدوحة قمة مميزة وأن تكون قمة انطلاق مبادرة السلام العربية، وفقا لآليات عمل واضحة ومقبولة، وأن يكون هذا العام إن ليس عام قيام الدولة الفلسطينية المنشودة، فعلى الأقل عام تبني مجلس الأمن الدولي لهذه المبادرة وتحويلها إلى قرار ملزم وفقا للمادة السابعة من ميثاق هذه الهيئة الدولية. لقد عقد العرب قمما كثيرة، لكن الإنجازات لم ترتق إطلاقا إلى مستوى تطلعات أبناء هذه الأمة وفي الحدود الدنيا، وهذا يجعل هذه القمة التي تواجهها ـ حتى قبل انعقادها ـ عثرات حقيقية، موضع رهان فعلي، فإما الفشل وطيُّ هذه الصفحة في العمل العربي المشترك وإلى الأبد، وإما نجاح ولو متواضع يكون نقطة ارتكاز لانطلاقة جديدة واعدة.