خيال أوباما «العلمي»

TT

وصلتني دعوة من البيت الأبيض لحضور حفل توقيع قرار يبطل أمرا تنفيذيا كان الرئيس جورج بوش الابن قد اتخذه، يتعلق بإجراء الأبحاث على الخلايا الجذعية. وأتوقع أن هذه الدعوة كانت لأنني طالما قلت، من خلال مقالاتي هذه وخلال الأعوام الخمسة التي قضيتها في مجلس أخلاقيات علم الأحياء التابع للرئيس، إنه يجب توسيع التمويل الفيدرالي ليشمل الأبحاث المرتبطة بخطوط الخلايا الجذعية الجنينية المأخوذة من الأجنة المهملة داخل عيادات الإخصاب، وكان ذلك عكس السياسة التي اتبعها بوش.

رفضت حضور الحفل، حيث إنه بمجرد أن تطل بوجهك في أي من هذه الأماكن، تصبح موافقا ضمنيا على كل ما يحدث فيها. وثبت ما احترست منه. كان الرئيس بوش قد حصر التمويل الفيدرالي لأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية على الخلايا التي تأخذ من أجنة تم تدميرها بالفعل، »بدءا من خطابه في التاسع من أغسطس (آب) 2001«. ومع أنني أفضل تحريك هذا القيد الأخلاقي ليسمح باستخدام أجنة عيادات الإخصاب التي لا توجد حاجة لها، فإن الرئيس أوباما لم يضع أي قيد البتة، وسمح بتخليق أجنة بشرية مستنسخة ـ وغير مستنسخة، تعتمد على جمع الحيوان المنوي بالبويضة ـ لتستخدم فقط لتقطيع أوصالها، واستخدامها كأجزاء.

ولا يوجد لدى أوباما ما يقوله فيما يتعلق بذلك. إنه يترك الأمر برمته للعلماء. هذا أكثر من مجرد تنازل أخلاقي. إنه بمثابة إذعان إلى غموض «العلم». كيف يمكن لأي شخص ذي قدر عال من الثقافة، مثل أوباما، أن يصدق ذلك في ظل ذكرى ما قام به مينيغل وتوسكيجي، وأبحاث الخلايا الجذعية الكورية الجنوبية الزائفة (والقسرية) يصعب فهمها.

حقا إنها إهانة. كان خطاب بوش التلفزيوني عن أبحاث الخلايا الجذعية الخطاب الأكثر أهمية من الناحية الأخلاقية عن الأخلاقيات الطبية يدلي به رئيس أميركي. كان يتسم بكثرة التدقيق في عرض أفضل حجة لما يراه، ووجهة النظر الأخرى، لدرجة أنه حتى الدقائق القليلة الأخيرة لم يكن لدى المستمع فكرة عن ما سيخلص إليه بوش.

ولكن، بالنسبة إلى خطاب أوباما، فإنه لم يكن مهتما بالناحية الأخلاقية. كان ممتلئا بالكثير، كما هو الحال دوما مع خطاباته التي تأخذ منحى تعليميا، مع الكثير من الزعم بوجود أفكار مضادة ليقوم بدحضها. كما هو الحال مع قوله إنه يجب علينا مقاومة «الخيار الزائف بين العلم الصحيح والقيم الأخلاقية». لكن، بعد دقيقتين واثنتي عشرة ثانية ـ تحديدا ـ مضى أوباما ليعلن أنه لن يفتح الباب يوما أمام «استخدام الاستنساخ من أجل التكاثر البشري».

العلم لديه الكثير ليدلي به بخصوص ما هو ممكن، فيما لا يوجد لديه ما يقوله بخصوص ما هو مسموح به. إن زعْم أوباما بأنه سوف «يعيد العلم إلى مكانه الملائم»، وأنه سيجعل للعلم، وليس للأيديولوجية، القول الفصل في النقاشات الأخلاقية، لا تتعدى سوى أنها خدعة بلاغية أخرى، تهدف هذه المرة إلى التخلي عن عملية صنع القرار، وصبغ ما يفضله أيديولوجيا بصبغة «علمية».

قال الدكتور جيمس ثومسون، الرائد في مجال الخلايا الجذعية الجنينية «إذا كانت أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية لا تجعلك تشعر ـ ولو بقدر بسيط ـ بعدم الراحة، فأنت لم تفكر فيها بقدر كاف». ومن الواضح أن أوباما لم يقم بذلك.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ («الشرق الأوسط»)