كيف نطور جامعاتنا والتعليم الجامعي في العالم العربي؟

TT

بين الحين والآخر نلاحظ مقالات تنشر هنا وهناك من قبل أكاديميين عرب، يدعون فيها إلى دعوة ملحة لتطوير جامعاتنا والتعليم الجامعي في العالم العربي. ولأهمية هذا الموضوع، وما نراه من تدهور في المستوى العلمي في الجامعات العربية، وضعف مكانتها العلمية على المستوى العالمي؛ بالإضافة إلى شكوى الكثير من المؤسسات، التي تستخدم خريجي هذه الجامعات، من ضعف في القدرة العملية على ممارسة دورهم الفعّال في هذه المؤسسات. لذا، أجد ضرورة ملحة لتطوير جامعاتنا. ويجب أن يركز هذا التطوير على ما يلي:

- تغيير ثقافة الأستاذ الجامعي عن ماهية الجامعة كمؤسسة لتطوير وتحديث وتوسيع المعلومة التي تعلمها الطالب في الدراسة الإعدادية؛ وذلك يأتي بأن يكون التعليم الجامعي وتقييم الطالب مستندين على محاضرات مواكبة لتطورات العصر، تركز على الأسس النظرية الأساسية، وتفعيل تدريس الجزء العملي بشكل عملي يقوم به الطالب عمليا بنفسه؛ ويعتمد كذلك على كتابة التقارير المعملية التي تساعد الطالب على التفكير والتحليل والاستنتاج. وتجب الإشارة هنا إلى أن استعمال التقنيات الحديثة ووسائل الإيضاح يكون لها دور أساسي في تسهيل عملية فهم الطالب للمادة التي يدرسها في مناهجه الدراسية. ومن هذا يمكننا القول إن تطوير الكادر التدريسي عامل مهم جدا، يساعد على إيصال المادة العلمية للطالب بالشكل الصحيح، وكذلك يساعد في تطوير المناهج الدراسية وجعلها ملائمة لمتطلبات العصر الحديث.

- تغيير دور الأستاذ الجامعي من دور الملقّن والمصدر العلمي الوحيد للطالب، كما هو الحال في الدراسة الثانوية، إلى دور المرشد والموجه للعملية التربوية، كما هو ينبغي على دور الأستاذ الجامعي.

-إن التعليم والبحث العلمي الذي يخدم عملية التنمية وخدمة المجتمع هو من أساسيات واجبات الأستاذ الجامعي، ويتم تقييم الأستاذ الجامعي سنويا على ما يقدمه في ذلك، بدون التفريط في أي منها.

- إن الحصول على الشهادة العليا هو البداية الفعلية للبحث العلمي، وليس نهاية العطاء العلمي. وإن البحث العلمي ليس للترقية العلمية فقط، بل ضرورة ملحة لخدمة الجامعة وخطط التنمية. كما أنه من الضروري تحسين أساليب الترقية العلمية، وذلك بوضع قيود جديدة، وتشجيع الأستاذ الجامعي في النشر في مجلات ذات مستوى علمي مرموق، كأساس للترقية. إن الأستاذ الجامعي مطالَب بالبحث العلمي، حتى بعد حصوله على درجة الأستاذية.

- إدخال الأستاذ الجامعي في دورات تدريبية في الإرشاد الأكاديمي وفي كيفية التعامل مع الطالب وتقييمه وتحفيزه على العمل؛ وكذلك في كيفية كتابة تقارير البحث العلمي حسب التطورات الحاصلة في البحوث العلمية؛ وفي كيفية وضع الأسئلة الامتحانية لتختبر قابلية الطالب على الحفظ والتحليل والاستنتاج.

- تشجيع الأستاذ الجامعي على إلقاء نتائج بحوثه العلمية في جامعات القطر وخارجها، ويكون هذا جزءا من تقييمه السنوي.

- خلق نوع من التنافس بين أساتذة القسم الواحد أو الأقسام المختلفة أو الكليات أو الجامعات المختلفة في القطر، عن طريق النشرات الداخلية التي تهتم بشر نشاطات الأستاذ الجامعي في البحث والتعليم وخدمة المجتمع.

- تشجيع الأستاذ الجامعي والكادر الفني على الاشتراك في الدورات المعملية التي تقام داخل القسم وخارجه، للحصول على خبرة في التقنيات الحديثة.

- تكوين مجاميع بحثية في كل قسم حسب الاختصاصات، يرأسها أستاذ متميز في البحث العلمي، من أجل تشجيع الكادر على البحث العلمي، وكذلك ربط هذه المجاميع بمثيلاتها العلمية التي تحمل نفس الاختصاص في الجامعات المتطورة.

-إن الأساتذة الذين ليست لديهم خطة بحثية أو رغبة في البحث العلمي يجب تكليفهم بنصيب أعلى من المحاضرات، مقارنة بزملائهم ذوي النشاط البحثي. وكذلك يكلفون بالإشراف على تهيئة الجداول الدراسية والامتحانية.

-استضافة أساتذة جامعيين متميزين في بحثهم العلمي لإلقاء نتائج بحوثهم في القسم، من أجل خلق حركة علمية في القسم، وتشجيع التعاون بين أساتذة الأقسام المختلفة.

- تشجيع الأستاذ الجامعي على الإشراف على طلاب الدراسات العليا في أقسام علمية أخرى مقاربة لاختصاصه، في حالة عدم وجود برنامج للدراسات العليا في قسمه. ويكون هذا بالتعاون مع الأساتذة الجامعيين في تلك الأقسام العلمية. إن هذه العملية تمكّن الأستاذ الجامعي من اكتساب خبرة في الإشراف على طلاب الدراسات العليا، وكذلك تفيد في تشجيع البحث العلمي.

- أما تطوير الكادر الإداري من رؤساء أقسام وعمداء، فلا يقل أهمية عن تطوير الأستاذ الجامعي نفسه. ويتم ذلك بضرورة إدخال الأساتذة الإداريين في دورات إدارية تساعدهم في كيفية التعامل مع الكادر الجامعي وتحفيزه على العمل والإبداع والمحافظة على الوقت وإعطاء الحرية الملتزمة للكادر التي تمكنه من التصرف بالأمور بما يخدم الجامعة.

-تشجيع اللقاءات المباشرة والمستمرة بين رؤساء الأقسام والعمداء والكادر الجامعي، والتركيز في هذه اللقاءات على رفع المستوى التعليمي والبحثي وخدمة المجتمع.

- وضع معايير لحقوق رؤساء الأقسام والكادر الجامعي ويجب الالتزام بها من قبل الجميع.

- أن تكون واجبات الكادر المشرف على الجامعة، بما فيهم رؤساء الأقسام والعمداء، هي تحقيق أهداف الجامعة في التعليم المتميز وبحوث ذات فائدة للمجتمع، ومساعدة جامعاتهم لكي تأخذ مكانتها العلمية على المستوى العالمي.

- وضع آليات وأسس في تقييم الكادر الجامعي في نهاية كل عام، وتشخيص نقاط القوة والضعف في الكادر التعليمي والاجتماع بهم فرديا للمناقشة حول هذا الموضوع.

-تشجيع حديثي التخرج من الأساتذة الجامعيين على نشر أطروحاتهم، والأخذ بذلك عند الترقية العلمية، وعدم تكليفهم بالأمور الإدارية، لكي لا ينشغلوا بذلك وينصرفوا عن العمل العلمي.

-تشجيع الأستاذ الجامعي على الحصول على المنح المالية من القطاع العام والخاص، من أجل توفير الدعم المالي لإجراء بحوثه العلمية.

- العمل الجاد من قبل رؤساء الأقسام والعمداء لخلق ظروف عمل ملائمة للأساتذة والطلاب، والاهتمام والمطالبة بدعم المكتبات العلمية والاقتصاد قدر الإمكان لدعم شراء الكتب والاشتراك في المجلات العلمية والشبكة الإلكترونية.

- وختاما، فإن جامعاتنا لن تؤدي دورها، ما لم تنشأ فيها طبقة من الأساتذة الجامعيين والإداريين الفاعلين الذين تنعكس نشاطاتهم بشكل إيجابي على طلبتهم وجامعتهم ومجتمعهم؛ آخذين بنظر الاعتبار أن الطالب هو محور العملية التربوية، والكل يجب أن يكون في خدمته، لكي يكون عضوا نافعا في المجتمع.

* بروفسور بجامعة كاردف في ويلز ببريطانيا

[email protected]