الكويت بين التجربة والخيار

TT

غالبا ما ترتبط الحالة السياسية الكويتية بكلمة «التجربة الديمقراطية» فيها، وهي كلمة يتحفظ عليها الكثيرون في الكويت، وتثير حنق الديمقراطيين فيها. فالحالة السياسية الديمقراطية في الكويت ـ رغم كل تعثراتها وإخفاقاتها ـ لم تعد تجربة توحي بأن خيار التخلي عنها وارد إذا لم تنجح التجربة أو إذا لم تؤتِ ثمارها، بل خيار عضوي يشكل ما كانت الكويت ولا تزال عليه: الديمقراطية ليست تجربة نجربها وإذا لم تعجبنا نتخلى عنها، وليست ثوبا نزهى به اليوم ونخلعه غدا، وليست قيادة قائد فذ مغوار لا يشق له غبار، بل خيار الناس، بحلاوة ومرارة ذلك الخيار، والسبيل الوحيد لتلافي كافة إشكالات «التجربة» ـ ليس بوأدها كما يتمنى البعض ـ ولكن باستمرارها وتطويرها.

المشكلة في الكويت ـ باختصار ـ تتمثل في أن هناك من يرى أن الديمقراطية «تجربة»، ولذلك فإن خيار التخلي عنها قد حان، وإن إجهاضها قد قرب وحان وقت قطافها، بينما يرى الغالبية من الكويتيين أن الديمقراطية تتعثر بسبب هذا التفكير وهذه العقلية، وأن هذه العقلية هي التي تتوق إلى التخلص من «التجربة»، وبالتالي من طرح البديل، ولا بديل لتجربة الديمقراطية غير الدكتاتورية، وعلى المشككين في ذلك أن يسألوا أهل الفكر إن كانوا لا يعلمون. صحيح أن البعض قد يرى في استخدام كلمة «دكتاتورية» استخداما ثقيلا، ولكن تعريفها باختصار هو انفراد فرد أو مجموعة أو عشيرة أو طائفة أو عرق أو حزب بكافة القرارات والاستحواذ على كافة الخيارات.

لا أحد ينكر أن الديمقراطية في الكويت تتعثر، وأنها استغلت من قبل أطراف لا تؤمن بالديمقراطية أصلا، من قوى دينية وقبلية وطائفية ونفعية محضة، ولكن الديمقراطية قد توصل هتلر في ألمانيا، وقد توصل المحافظين الجدد في أمريكا الذي تخلوا عن كثير من مبادئ الديمقراطية، لكن بديل هتلر كان المستشارين هيلموت شميت وهيلموت كول، وبديل المحافظين الجدد كان باراك حسين أبو عمامة (أوباما). أي أن الانقلاب على الديمقراطية ومبادئها لا يعني التخلي عنها، بل العودة إلى أسسها وقيمها التي تضمن تساوي الجميع أمام القوانين والحرية التي تحمي كرامة وقيمة الإنسان.

ثلاثة برلمانات وخمس حكومات في ثلاث سنوات مرت على الكويت، وهي حقائق محزنة، ولكن الحزن على التعثر السياسي لم يدفع أجواء الحالة الكويتية باللجوء إلى التخلي عن الديمقراطية ودستور 1962م، ومن يتابع الأجواء في الكويت يدرك أن المطالبة بالانقلاب على الدستور والديمقراطية هي في الغالب مطالب إعلامية مدفوعة الثمن والصوت والصورة. ومصداقا لذلك جاء خطاب أمير دولة الكويت لحل البرلمان وفقا للدستور، وقبول استقالة الحكومة وفقا للدستور، والدعوة لانتخابات قادمة وفقا للدستور أيضا.

لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين، هذه حقيقة لا تنطبق على الكويت فقط، فلننظر إلى تجارب الآخرين في محيطنا في إيران والعراق وغزة ولبنان والجزائر والسودان. والكويت ليست استثناء، فالقوى الدينية الكويتية انتهزت الديمقراطية للوصول إلى البرلمان وتطبيق أجندتها، ولكن الفارق بين الحالة الكويتية وحالة الآخرين أن القوى الدينية في إيران انفردت بالحكم وصفّت المعارضين، والحالة العراقية لا تزال تحبو وتتعثر، والحالة الفلسطينية قادت إلى الحرب الأهلية والاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، وفي لبنان يشكل «حزب الله» دولة داخل الدولة اللبنانية، وتجربة الجزائر أجهضها العسكر قبل أن تتغدى بهم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي السودان انقلب الرفاق على الرفاق وزج البشير نصيره الترابي وجبهته في السجون، و«مثل هذه التجارب» لا يمكن أن تنطبق بأي حال من الأحوال على الحالة الكويتية.

الديمقراطية في الكويت أصبحت خيارا لا تجربة، فالتجارب في المختبرات، والعودة إلى الوراء من ماضي المخلفات.