الأمير نايف والمسؤولية

TT

الحقيقة لم تكن مفاجأة لنا أن يولي العاهل السعودي موقعاً بالغ الأهمية الإدارية والسياسية في الدولة للأمير نايف بن عبد العزيز، كنائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء السعودي. وبكل ما تعنيه الكلمة أكمل الملك عبد الله بن عبد العزيز مشروعه في توطيد الحكم السعودي، مستعيناً بالنظام الأساسي للحكم الذي يقول بالكفاءة عند التعيين. وأقول للذين يحاولون قراءة السعودية، سياسياً وإدارياً، إنه ليس مصادفة أن الحكم السعودي عاش مائة عام، وليس غريباً عليه مهارته في الحكم فهو يقود بتجربة حكم عمرها ثلاثمائة سنة.

والكفاءة بالنسبة للأمير نايف لا تحتاج إلى تفصيل لمن يتابع الشأن السعودي. فالرجل مكلف بأخطر وأهم الوزارات، الداخلية، المسؤولة عن الأمن وتثبيت الاستقرار. وأهم ملف كلفت به وزارته كان محاربة الإرهاب المتمثل في تنظيم القاعدة، أعظم خطر مباشر عرفته السعودية. وحين اتضح حجم التنظيم بأفراده وشبكاته وتمويلاته المشبوهة الخارجية إلى درجة قيل بأنه لا يمكن دحره، بدليل استمراره إلى اليوم في باكستان والعراق وأوروبا، لكن المهمة نجحت. السعودية عملياً كانت أكبر ساحة استهدفها الإرهابيون، أكثر مما استهدفوا الغربيين وغيرهم، ومع هذا كان الانتصار عليهم مفاجأة في التوقيت والكم والكيف والاستمرارية. التنظيم منذ ظهوره وهو يعلن استهداف السعودية بشكل أساسي، ولم تكن نيويورك أو لندن أو الدار البيضاء أو صنعاء إلا وسائل ضغط أو ممرات أو ساحات تدريب.

الرجل المسؤول عن الداخلية، الوزارة المسؤولة بشكل مباشر عن مطاردة مئات الإرهابيين، نجح ونجحت في إنهاء خطرهم فكرة وتنظيماً. كما نجحت في القضاء على جذور تنظيمهم، والشبكات المرتبطة به، والممولة والداعية له، والمتعاطفة معه.

والأكثر تحدياً للسعودية هو الاستمرار بشكل يومي في الحفاظ على أمن بلد يقع في منطقة مضطربة، ووسط تقاطعات سياسية إقليمية ودولية خطيرة لا تتورع عن استخدام الإرهاب، وتهريب المخدرات، وإشاعة الفوضى كأدوات سياسية.

أيضاً، نحن نعرف الأمير نايف رجلا سياسياً لا مسؤولا عن الأمن فقط. كما عرفناه مسؤولا عن القطاع الإعلامي، حيث كان متفهماً لحاجات الإعلاميين، وأهمية إقناعهم، والتواصل معهم، لا الإملاء عليهم. ومع أنه الرجل المسؤول عن الأمن، المتشكك بطبيعة الوظيفة، إلا أنه كان أكثر تقدماً في تعاطيه مع مساحات الحرية الإعلامية. جئته قبل أكثر من عشر سنوات أحاول إقناعه بحاجتنا إلى الإنترنت عندما كانت اختراعاً، كمجتمع وإعلام وكفرد. المفارقة أنه الذي سارع بالموافقة، في حين أن المؤسسات الحكومية الثلاث الأخرى المعنية رفضت، مع أنها مؤسسات مدنية. أوضحت له بأن السماح للإنترنت لن يخلو من إشكالات أمنية ومخالفات أخلاقية، فأجابني بأنه لن يقف ضد المنفعة العامة بسبب ممارسات سيئة محدودة.

أما بالنسبة للذين ينظرون إلى الكيان السياسي السعودي فسيجدون في التعيين تأكيداً على الاستمرارية والقوة للنظام.

[email protected]