بين الأحجار الكريمة

TT

أعرف رجلا يتاجر بالمجوهرات، وهذا الصنف من البشر حسب تجربتي، هم من ألطف البشر وأوسعهم ابتسامة، ولكنك (لا تأخذ منهم لا حق ولا باطل) ـ خصوصاً ممن كانوا على شاكلتي (جلدتهم ناشفة) ـ، ومع ذلك كنت ما بين الشهر والثاني أذهب لزيارته في معرضه على مبدأ: (لاقيني ولا تغديني)، والحق يقال أن الرجل يستقبلني بالترحاب، ويجلسني على كرسي وثير، وأستمتع طوال الوقت بلمعان المجوهرات من حولي، واحتساء أقداح الشاي، والتأمل بالزبائن من كل الأصناف، إلى درجة أن إحدى الزبونات تبسمت بوجهي يوماً معتقدة أنني صاحب المحل، فبادلتها الابتسامة مع هزة مؤدبة من رأسي، وكدت أقوم من مقعدي وأجلسها عليه ـ ولكن الله ستر.

وعرفت من صاحب المتجر أن أغلب بضاعته أو مقتنياته في هذا المحل، إنما هو يجلبها من بلدة في ألمانيا اسمها (أيدر ـ أوبر شتاين)، قلت له: إنني لأول مرة أسمع بهذا الاسم، قال: معاك حق، فكل إنسان ميسر لما خلق له، فأنا مثلا لا أفهم بأنواع الطماطم والخيار والفجل مثلما تفهم أنت ـ ولا أدري إلى الآن هل كلامه ذاك كان مدحاً أم قدحاً؟! ـ ولكنني (بلعت) كلامه بروح رياضية؛ لأنني لا أريد أن أنكد على جلستي.

وقام من مكانه وناولني مجلة علمية تحكي عن مصادر الأحجار الكريمة، وفي تلك اللحظة خطر على بالي أن أكتب مقالي هذا الذي تقرأونه، فسألته إن كان باستطاعتي أن أستلف منه المجلة لمدة يوم فأعطانيها، وفي منزلي تصفحتها ووجدت جدولا فيه أسماء أكثر من خمسين حجراً كريماً، وذكرت دول العالم التي توجد فيها هذه الأحجار، ولم أجد في (اللستة) دولة عربية واحدة من ضمن تلك الدول المحظوظة، وكأن الدول العربية فوق نكباتها السياسية حرمت حتى من الحجارة الكريمة، وليس فيها حجارة لا تصلح إلاّ للرجم، والبلد العربي الوحيد الذي ذكروا أنه يوجد فيه نوع من الأحجار الكريمة هو المغرب واسم ذلك الحجر اليتيم (حجر الدم) ـ ولا أدري عن ماهية ذلك الحجر، وعن فضائل استخداماته ـ وأعرف بالسماع وأنا مغمض العينين أنواعا من الحجارة الكريمة مثل الماس، والزمرد، والعقيق، والياقوت، والزبرجد، والفيروز، وقد شاهدت بعضها معروضا (بالفاترينات)، وبعضها معروضا على أعناق الحسان.

ولكن من سمع منكم عن (الكونزيت) مثلا؟! أنا لم أسمع، أو عن الزركون، أو الجمشت، أو الكارنيليان، أو الكريزوبريز، أو الكريسوكولا ـ وهذا الحجر الأخير يوجد منه في (إسرائيل) إلى جانب المكسيك وأمريكا والبيرو.. ولا أدري لماذا هو يوجد فقط في إسرائيل تحديداً، ولا يوجد مثلا في فلسطين أو الأردن أو سوريا أو لبنان، وكل تلك الدول هي في نفس المنطقة.

ولا أستبعد أن (المؤامرة) ضدنا وصلت حتى إلى الأحجار الكريمة، فأينكم يا عشاق (المؤامرة) لترفعوا عقيرتكم؟!

أكثر ما أعجبني هو حجر يقال له: (حجر القمر)، لم أشاهد صورته ولكنني تخيلته، وهو يوجد في سيريلانكا والهند، لهذا قررت إن أمد الله في عمري، وتحسنت قواي العقلية، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحكمة، لسوف أذهب إلى هناك وأقتنيه، وأقدمه هدية لأول امرأة يتيمة ومقطوعة من شجرة أصادفها، ولن أطلب منها ثمناً مقابل ذلك، سوى أن تدعو لي وأن يحرسني الله من العين.

[email protected]