أخذتها من الشعب على يد الحكومة!

TT

تحتفل الإذاعة المصرية بعيدها الماسي.. وكل واحد منا يحكي ذكرياته.. كيف كتب، وكيف قرأ، وكيف تورط، وكيف أضحك، وكيف ضحكوا عليه. فقلت إن أستاذنا عباس العقاد حصل على جائزة الدولة التقديرية، وحصلت عليها أنا وجائزة مبارك في الأدب. بعث الأستاذ العقاد بالكلمة التي سوف يلقيها في الاحتفال أمام الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت كلمة جميلة. وطلب مني أن يكتبها أحد على الآلة الكاتبة، وبخط كبير.. ولاحظت أن الأستاذ العقاد لم يبدأ كلمته بتحية السيد رئيس الجمهورية والوزراء وضيوف مصر في هذه المناسبة الأدبية الكبرى.

ووجدت أنها مصيبة! ولم أشأ أن أنبه الأستاذ إلى أنه قد نسي أو أنه تجاهل وجود الرئيس، ولكن أبلغت مَنْ في يدهم الأمر. ولم يحاول أي أحد أن يقول للأستاذ شيئا.

وجاء يوم الحفلة. ولا أعرف كيف سيكون الموقف. وهو موقف صعب، ولكن الأستاذ العقاد لا يهمه. ولا بد أن لديه أسبابا قوية لهذا التجاهل المتعمد..

ولكن لاحظنا أن الميكروفون الذي كان يتكلم فيه الأستاذ قصير جدا، أي أن الأستاذ لا بد أن ينحني تماما لكي يبلغ مستوى الميكروفون. والنتيجة أن صوت الأستاذ لم يكن واضحا، بل إننا لم نعرف بالضبط ما الذي قاله، لا نحن، ولا جمال عبد الناصر. فالأستاذ يتكلم من أعماق حنجرته وبسرعة. وحمدنا الله على أن هذه المصيبة قد مرت بسلام، أو خيل إلينا ذلك!

وفي صالون العقاد يوم الجمعة قيل له ذلك. وتضايق الأستاذ. وتشاء الصدفة أن يجيء صاحب برنامج (مع الخالدين). وحاول أن يقنع الأستاذ بالحديث، ولكنه رفض. وحاولنا نحن أيضا. وكان عندنا أمل، أو لنا خاطر عنده. وأخيراً وافق. وظهرت البهجة على وجهه. ولم نعرف لماذا، ولا ماذا عساه أن يقول.

وجاءت الفرصة سريعة وسعيدة، فإذا بصاحب البرنامج يسأله: يا أستاذنا العظيم.. أنت قد فزت بجائزة الدولة التقديرية، وأريد أن أعرف شعورك؟

وهنا أحس الأستاذ أن الكرة في ملعبه، وليس له إلا أن يشوط. فقال: «إنه شعور بالامتنان. فهذه الجائزة أخذتها من الشعب على يد الحكومة!».

الله يا أستاذ!