من يتوب من يوتيوب؟

TT

الزعامات السياسية، ومعهم المشاهير من الشخصيات العامة والفنانين واللاعبين، تكاد تميز قلوبهم من الغيظ على موقع اليوتيوب الشهير، الذي تسور أسوارهم، وهتك أسرارهم، وحملها غنيمة باردة إلى مئات الملايين من الفضوليين ومسترقي النظر.

في عام 2005 نشأت فكرة هذا الموقع النافع الضار، الرافع لأقوام والخافض لآخرين، عندما كانت شلة من أصدقاء شباب في حفلة، وهنالك التقطوا مقاطع فيديو وأرادوا أن ينشروها بين زملائهم، ولم يسعفهم التراسل بالإيميل لأنه لم يتحمل حينها ملفات ذات سعة كبيرة، فتبلورت فكرة موقع لرفع لقطات الفيديو للاستخدام المشترك، وبعد سنة واحدة فقط من إنشائه، احتل المركز الخامس الأكثر تصفحا بين مواقع النت الأخرى.

هذا الموقع المثير، يحمل الرقم واحد في احتوائه على أكبر مخزن في العالم للقطات المرئية، كما أنه يحتل المرتبة الأولى في نشر الفضائح وهتك الأستار ونشر الأسرار وتسليط الأضواء على خصوصيات الناس، إنه موقع أصدق ما يقال عنه إنه «حاطب ليل»، فتجد فيه أسمن السمين وأوسخ الغث اللعين، وعلى الرغم من إسهاماته الثرية المتنوعة والمفيدة إلا أن هذا الموقع العنكبوتي، أصبح أيضا ملاذ كل هماز مشاء بنميم. في القديم كان الذي يمشي بالنميمة يحتاج إلى وقت وجهد ليوصل نميمته وغيبته وفضحه للأسرار، فلا تصل إلا إلى العشرات أو بضع المئات، وأما الآن فلا يحتاج إلا إلى نقرة على لوحة المفاتيح لتكون مادة الفضيحة، وخلال ثوان، تحت بصر العالم كله من الجزر اليابانية شرقا إلى سواحل كاليفورنيا غربا.

وفي عالمنا العربي، وعلى الرغم من التهديد والوعيد في الإسلام، على الذي يهتك أستار الناس الذين ارتكبوا المحرم مستترين، إلا أن مجتمعاتنا العربية من أكثر المجتمعات تلذذا بأخبار الفضائح وانتشاء بنشرها، وطبيعي أن يصبح التلذذ أكثر إثارة حين يكون المفضوح من الشخصيات المشهورة سياسيا أو فنيا أو رياضيا، ووجد هؤلاء الهمازون المشاءون بنميم في اليوتيوب القناة الأسهل والأشهر لنشر الغسيل وفضح الأسرار، والمؤلم في هذا الشأن أن بعض هواة نشر الفضائح يبرر فعله بارتكاب فلان أو علان من هؤلاء المشاهير جرما كالزنى أو شرب الخمرة، ولا يتم التفريق بين المجاهر بهذه المعاصي المروج لها، وبين الذي ارتكبها مستترا عن أعين الناس، والأصل في الشرع الستر على المسلم المرتكب للمعصية، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة)، وفي قصة الصحابي ماعز، الذي زنى، رضي الله عنه، أكبر عبرة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من قبيلة أسلم يقال له هزال، «يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك».

والعذر يكون أقبح من ذنب، إذا كان الباعث على فضح الأسرار تعصبا رياضيا أعمى، لأنه من ناد منافس، أو من بلد منافس، أو دولة منافسة، أو قبيلة منافسة، فهذا لا يبرر ولا يجيز فضح مرتكب المعصية، ما لم يجاهر أو يدعُ إليها، والأمر الآخر أن الناس لا تتصور أن يرتكب الزنى، أو يشرب الخمرة من في قلبه إيمان، ويقولون هذا الذي نسب إليه من الخير كذا وكذا، ومن الأقوال كيت وكيت، كيف له أن يقدم على فعل كهذا؟ وهذا أيضا خطأ، فالنفس المؤمنة تضعف أحيانا أمام الشهوة، وقرناء السوء يزينون، فهناك من الصحابة من ارتكب الزنى مثل ماعز والغامدية، وصحابي آخر وهو نعيمان بن عمر شرب الخمرة، وحين أقيم عليه الحد وسبه رجل، قال له النبي: «لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله»، بالتأكيد أن من فضح الناس في «يوتيوب» فعليه أن يتوب.

[email protected]