الرهان على الاستقرار

TT

جاء اختيار الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء خطوة لتثبيت عناصر الاستقرار في منظومة إدارة الحكم، فهو قرار حكيم يؤمن عمقاً مطلوباً لإدارة شؤون البلاد في كل الظروف المحتملة. ويجيء اختيار وزير الداخلية السعودي لهذا المنصب وسط نشوة إنجازات على الصعيد الأمني في أكبر تحد من نوعه في تاريخ البلاد، وذلك من خلال مواجهتها، التي لا تزال مستمرة، مع التنظيمات الإرهابية التي تستهدف السعودية لسنوات غير قليلة حتى الآن. وزارة الداخلية في السنوات التي مضت لم تكن مجرد جهاز أمني فقط، ولكنها كانت «النخاع الشوكي» للبلاد ولها باع مهم في مواجهات ومواقف مفصلية. انفتحت وزارة الداخلية بذكاء على المواطنين لتكسر الحاجز النفسي الكبير الموجود ما بين وزارات الداخلية والناس عادة، فالكل لا يزال يذكر بخير حملة ربط الأحزمة، التي أطلقتها الوزارة بباقات الورود والتمنيات، وكذلك حملات أخرى تلتها، وغدت المؤتمرات الصحفية السنوية، التي يعقدها الأمير نايف خلال موسم الحج، مراجعة سياسية سعودية عامة بامتياز، تطرح فيها مختلف الأسئلة وتأتي الإجابات بشكل دقيق ومقنع، وكذلك كانت الوزارة أول من استحدث منصب الناطق الإعلامي لاستمرار تواصل الوزارة مع الجانب «الخبري» للأحداث بشكل استباقي يحد في معظم الأحيان من الشائعات وضررها. السعوديون أحسوا بالارتياح لعودة منصب النائب الثاني من جديد، وذلك لضمان استقرار إداري لبلادهم، يواجهون فيها مختلف الظروف ويزيلون بها القلق والخوف والشك، ويسدون أبواب الشائعات والأقاويل، وهي بذلك تكون سابقة لغيرها من البلاد العربية التي يبقى فيها ملف التسلسل الإداري لرأس السلطة ملفاً غامضاً مليئاً بعلامات الاستفهام والتعجب. الثقة والطمأنينة تجاه الاستقرار السياسي لأي بلد هي في أهمية معايير أخرى مثل الاحتياطي النقدي والطاقة الإنتاجية للنفط ومخزون الذهب وغير ذلك، لأنه بدون وجود «الثقة» وما يأتي معها من اطمئنان يولد شجاعة وإقداماً، لن تفيد كل المؤشرات الاقتصادية والمالية بأي شيء. خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قراره الأخير هذا راعى، بواقعية، الاحتياج الإداري للبلاد وأهمية زرع عناصر الاطمئنان المستمر للمواطن والمقيم، على أن السعودية اختارت رهان الاستقرار والبعد عن بورصات التكهن والغموض. واختيار الأمير نايف، تحديداً، جزء من انعكاس الراحة هذه، لأنه هو شخصياً شارك وبفعالية في العديد من الملفات المهمة جداً للبلاد. ملفات مثل: الإعلام والحج والدعوة والمالية والتعليم والسياحة والعمل والتخطيط والبلديات والعدل، وهي جميعاً مسائل في غاية الأهمية، واطلاعه المستمر عليها يترجم بشكل واضح ومبسط أنه كان، ولا يزال، من راسمي الخط السياسي الأساسي للبلاد، ومن هناك تأتي الثقة والطمأنينة في الاستقرار والمتابعة. نظام الحكم في السعودية كوثيقة أساسية استخدم من جديد لإنفاذ هذه الرغبة الملكية المهمة. وبذلك تكرس السعودية خيارها على العمل المؤسساتي بالتدريج والتثبيت. قرار خادم الحرمين الشريفين بإعادة منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الغاية الأساسية منه تأمين انسيابية العمل الإداري داخل أجهزة الدولة بأكبر قدر من الفعالية وبأحسن الطرق والوسائل التي يقل فيها الغموض الإداري الممكن، وهذا في حد ذاته إنجاز مهم ومطلوب جداً. السعودية باختصار... راهنت على الاستقرار.

[email protected]