ماتوا جميعا وعاش الفن!

TT

أخيرا عرفت تفاصيل القصة الفرعونية القديمة (الفلاح الفصيح). فقد وجدتها في موسوعة د. سليم حسن الجزء السابع عشر. الفلاح ليست هي الكلمة المناسبة. وإنما الريفي ـ أي الذي جاء من الريف ولا يعمل في فلاحة الأرض ـ مثلي وملايين غيري.

هذا الرجل عاش من ثلاثة آلاف سنة. وكان يستخدم عددا من الحمير في نقل البضائع إلى المدينة. وقد تعرض له أحد أبناء المدينة. ادعى أن حميره قد أكلت القمح ولا بد من معاقبتها. فأخذ الحمير وانهال ضربا على الفلاح..

وهنا تفجرت ينابيع الغضب عند الفلاح. وقال لا بد من أن أشكوه إلى الملك خيتي. وراح يبكي ويتباكى ويلتف الناس حوله. وكان بكاؤه مؤثرا. وأسلوبه بليغا. وتناقل الناس كلامه، حتى بلغ الملك. وأعجب الملك بكلام الفلاح.. ومن الأقوال الغريبة التي نُسبت إلى الملك أنه قال: لن نجيب هذا الفلاح إلى ما يريد.. إننا نريده أن يبكي ويشكو فالذي يقوله أدب وفن فليقل ولنشجعه على ذلك!

وسجل التاريخ تسع خطب أو شكايات لهذا الفلاح. لقد ماتوا جميعا وعاشت هذه الدموع البلاغية.

وكان الملك يبعث لزوجته وأولاده بنصيبهم من الخبز كل يوم. والفلاح لا يعرف من الذي يبعث لأهله بطعامهم كل يوم. إن هذا الفلاح مثل أستاذنا العظيم سقراط. كان لا يعرف من الذي يبعث إلى زوجته وأبنائه بالطعام والشراب. وعرفنا أنه تلميذه الفيلسوف العظيم أفلاطون ـ وهو من أغنى الفلاسفة ـ والفلاح لم يفكر في أن يعمل ولا سقراط الذي أرغم تلامذته على أن يجدوا له عملا. فكان يغسل التماثيل من مخلفات العصافير.

وحاول بعض المؤرخين أن يكملوا هذه القصة أو هذا اللحن الناقص. ولكن جمال القصة في أن المظلوم يشكو ويقول كلاما جميلا. إنه يشبه (حيوان اللؤلؤ).. أي الذي يفرز مادة اللؤلؤ على جرح في أحشائه الناعمة.. فاللؤلؤ دموع هذا الحيوان.. وتموت ملايين الحيوانات ويبقى اللؤلؤ!