وجهة نظر في الجدال حول الرعاية الصحية

TT

آخر كلمات قالها لي الجراح قبل إدخالي إلى غرفة العمليات: «هل تدري أنه لو حققت أنت وأوباما ما تطمحان إليه على صعيد الرعاية الصحية، لن أكون أنا من يقوم بإجراء هذه العملية لك. وإنما أي شخص آخر». وحاولت إخباره، في وقت كنت فيه تحت وطأة تأثير المخدر وشعور بالغ بالقلق، أنني أتمتع بسعة أفق تجاه هذه القضية. ومرت الأمور كلها على خير، وأجريت الجراحة في يدي اليسرى، وعندما أفقت، كنت لا أزال أشعر بتأثير الجراحة على يدي. وبعدما يزيد على أسبوع، أصبحت يدي تؤلمني، فقط، عندما أكتب على لوحة المفاتيح. والآن، أصبحت تجربتي الشخصية في التعامل مع نظام الرعاية الصحية الأميركي أشبه بمزحة يمكنني التحدث عنها أمام الجميع، نظرا لما آلت إليه من نهاية سعيدة، وما تحمله من أحداث شبيهة بمسلسل «سينفيلد» الكوميدي. وعندما يسألني الناس عن سر الضمادات المحيطة بيدي ويسمعون القصة، غالبا ما ينصحونني باختلاق قصة أخرى ذات طابع بطولي أكبر. أما أكثر الاقتراحات فكانت: «قل إنك أصبت في مشاجرة داخل حانة».

الحقيقة، أنني يوم الأحد، الموافق 22 فبراير (شباط)، كنت في المطبخ أعد طبق سلاطة. وكنت أحاول إخراج اللب من ثمرة الأفوكاتة، لكن يبدو أنني لم أكن منتبها على النحو اللازم، لأنني طعنت يدي على غير قصد بالشوكة التي كنت أستخدمها. ونتج عن ذلك إصابة راحة يدي بجرحين غائرين، أسفل البنصر مباشرة. لكن الجرح لم ينزف سوى بضع قطرات من الدماء. وعليه، ظننت أن الحادثة مرت بسلام، وأنه لم يصبني ضرر. واكتفيت بوضع لاصق طبي على مكان الجرح. إلا أنه بعد خمسة أيام، شعرت ببعض الألم في يدي. وفي اليوم التالي، السبت، انتفخ أصبعي بدرجة أجبرتني على خلع خاتم الزواج للمرة الأولى منذ سنوات عديدة. بحلول صباح الأحد، اشتد الألم في أصبعي بصورة بالغة. وبحلول صباح الاثنين، ازداد الوضع سوءا، ويبدو أنني أصبت بتلوث شديد. واتصلت بالطبيب ونصحني بتناول مضاد حيوي.

وبحلول يوم الأربعاء، كنت في عيادة الطبيب لحقني بمضاد حيوي أقوى والحصول على وصفة طبية جديدة. لكن في المساء، كنت في مستشفى جورج تاون مع انتفاخ راحة يدي على نحو مفزع، وشرع الأطباء في حقن مضادات حيوية ومسكنات للألم في دمائي. وأبقوا علي في المستشفى حتى الأحد، حيث تمتعت بمستوى فائق من الرعاية، لدرجة أنني لم آبه بمزاح الأطباء حول «الأفوكاتة القاتلة».

ولحسن الحظ، لم أتعرض للتطورات البشعة التي كان يمكن حدوثها. واتضح أن التلوث الذي أصابني لا ينتمي لنمط البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية، وإنما لنمط بكتريا المكورات العقدية التي يدرك الأطباء تماما كيفية القضاء عليها. أما الجراح البارع الذي أجرى لي الجراحة فمتخصص في التعامل مع راحة اليد والمرفق، وأشعر بالسعادة لأنه هو من أجرى العملية الجراحية وليس «شخص آخر» قد لا يكون على نفس القدر من الكفاءة أو الخبرة في التعامل مع مثل هذا القدر الهائل من الأعصاب والأوعية الدموية الموجودة في الأصابع. والتساؤل الأكبر الآن: هل غيرت هذه التجربة وجهة نظري في إطار الجدال الدائر حول الرعاية الصحية؟ ربما. في الواقع، إن الحادث الذي تعرضت له ليس ذا علاقة بواحدة من القضايا المحورية المرتبطة بهذا الجدال، وهي ما إذا كان من الضروري الاقتصاد في الفحوصات الطبية والإجراءات عالية التقنية بالغة التكلفة من أجل الحد من تكاليف الرعاية الصحية. في الحقيقة، أكبر الفحوصات التي تعرضت لها تعقيدا كانت الكشف بأشعة إكس على يدي. أما المضادات الحيوية التي تناولتها، فيجري استخدامها على نطاق واسع. الأمر ذو الصلة هنا، هو أنني أحظى بتأمين صحي جيد، حصلت عليه من خلال المكان الذي أعمل به، ولم أدفع سنتا واحدا مقابل العلاج. أما لو كنت من بين الـ46 مليون أميركي غير المؤمن عليهم صحيا، كنت سأتكبد فاتورة ضخمة. ويجب ألا يتعرض أي شخص لأزمة مالية بسبب حادثة بسيطة سببها شوكة. وأعتقد أن ما نقوم به حاليا من اقتصاد في مستوى الرعاية الصحية المتوافرة ـ تبعا لمقدرة الشخص المالية ـ أمر مناف للأخلاق، وإذا كان من الضروري فرض ضرائب أعلى لضمان عدم اضطرار أي شخص للاختيار بين الصحة والإفلاس، سأدفع الزيادة عن طيب خاطر. وهذا كان موقفي منذ البداية، لكنه اكتسب صبغة شخصية الآن. لكن ما تغير هو أن شعوري بقدرتي على اتخاذ الخيارات أصبح أقوى. لقد قررت أين أتلقى العلاج، ونمط الإجراءات العلاجية التي سأمر بها، وما لن أمر به. وأنا على استعداد لدفع مقابل ذلك أيضا.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»