أين أمثال أوباما في أفريقيا؟

TT

أقام زملائي الكينيون احتفالات كبرى عندما انتخب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة. وأعلن أن يوم الخميس التالي للانتخابات أصبح عيداً وطنياً، وبعد أكثر من أربعة أشهر، خفتت البهجة بالكاد، ليس فقط في كينيا، حيث ولد والد أوباما، ولكن في جميع أنحاء أفريقيا. لقد شعر الناس بالفخر لأن شخصاً ذا أصول أفريقية قد استطاع أن يصل إلى مثل هذه الدرجة من السمو.

ولكن يجب أيضاً أن تجعل الانتخابات الأميركية الأفارقة يسألون أنفسهم: لماذا لا تملك المزيد من الدول الأفريقية هذا النوع من القيادة الذي يمثله أوباما؟

يوجد الكثير مما يجب أن يتعلمه القادة الأفارقة من نموذج الرئيس الجديد. فقد كانت حملته الانتخابية منظمة، وشاملة، وتقودها الجماهير. وقد كون حكومته وفقاً لمنهج محدد واقترب من خصومه السياسيين. وعندما ارتكب أخطاء ـ على وجه التحديد في اختيار بعض المرشحين في مناصب الوزراء ـ كان اعتذاره وتحمله للمسؤولية تناقضاً حاداً للتكبر وانعدام الشفافية الذي غالباً ما يميز القيادة الأفريقية فيما بعد الاستقلال منذ خمسين عاماً.

ليست مصادفة أن الحشود الشابة في أفريقيا وجدت مصدراً للإلهام من دعوة أوباما للتغيير والأمل.

وفي كينيا، يتحدث الشباب عن الحاجة إلى قيام «ثورة أوباما» التي ستؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة من الحرس القديم الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال في عام 1963 إلى الجيل الجديد من القادة المثاليين العمليين على طريقة أوباما.

وفي واقع الأمر، ففي جميع أنحاء القارة، اعتبر الشباب الأفارقة أن أوباما بطل، بل ونموذج لمستقبل أفريقيا. وتحتاج القارة أشد ما تحتاج إلى زعماء ذوي مبادئ ومهارات ملتزمين بالخدمة العامة والعمل من أجل صالح المجتمع ككل.

وعلى النقيض، مرارا وتكرارا، تصبح الحكومات الأفريقية فيما بعد الاستقلال بدون مبادئ أو فاسدة على نحو صارخ، أو مدينة بالفضل إلى مجموعة صغيرة فقط من الأصدقاء أو النخب. وقد نهب الكثيرون في مناصب القيادة الموارد الوطنية واضطهدوا خصومهم السياسيين والمواطنين الذين تجرأوا على التشكيك في تصرفاتهم، بل وأشعلوا العنف داخل وعبر الحدود الوطنية، كل هذا مع تدمير آمال المواطنين العاديين في عيش حياة كريمة. وقد وافقت قلة على المشاركة في السلطة بحرية أو دعمت ظهور مجتمع مدني نشيط.

وبالطبع، يوجد في أفريقيا عدد من العمالقة ـ مثل جوليوس نيريري من تنزانيا ونيلسون مانديلا من جنوب أفريقيا ـ الذين جسدوا الخدمة والعدالة، والإنصاف بدون أنانية، والذين تركوا بلادهم في حال أفضل بفضل قيادتهم.

ولكن خاض الكثيرون بصورة مأساوية لعبة السياسة بهوية عرقية، وهو تراث مدمر أقلق الكثير من الدول. وفي الأشهر الستة الأخيرة من عام 2008 وحده، زعزعت الانقلابات استقرار موريتانيا وغينيا، واستمر العنف المسيّس في زيمبابوي والصومال وتشاد وإقليم دارفور في السودان والمنطقة الشرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وكان السبب في ذلك كله ـ إلى درجة كبيرة ـ يتمثل في فشل القيادة الحقيقية أو غيابها.

وفي كينيا، ما زال الحزبان المشاركان في حكومة الائتلاف المشكلة بعد انتخابات 2007 المتنازع عليها، والعنف المريع الذي تلاها، يتصارعان من أجل مميزات السلطة، بدلا من العمل معاً بفاعلية من أجل تحقيق الصالح العام.

وفي هذا السياق، يقدم أوباما ـ بمجرد كونه نموذجاً للقيادة المنفتحة والعادلة والنزيهة ـ مثالا قويا لما يمكن أن تكون عليه القيادة الأفريقية. وأرجو أن ينتهز القادة الأفارقة فرصة رئاسة أوباما في تحدي أنفسهم لرفع مستوى القيادة، والمساعدة على إحداث ثورة في القيادة تحتاج إليها أفريقيا بشدة.

واستلهاماً من نموذج أوباما، ربما يتحرك هؤلاء من أجل ممارسة الحكومة الصالحة؛ وتوسيع مساحة الديمقراطية؛ وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها؛ وإنهاء الصراعات أو تثبيطها؛ وضمان استخدام الموارد الوطنية استخداما دائما ومنصفا ومسؤولا. وإذا لم يفعلوا، فإنه يجب عليهم أن يواجهوا خطر النقد الأميركي وأن يحاسبهم الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي.

وتحتاج أفريقيا إلى أن يتدخل أوباما في صراعات القارة. ويجب أن يعرب عن دعمه لمواطني الدول الأفريقية، في محاولاتهم لإقامة مجتمعات مدنية قوية، كما فعل عندما كان منظما مجتمعيا في شيكاغو. ويجب عليه أن يعمل من أجل ضمان عدالة قوانين التجارة العالمية مع الشعوب الأفريقية، وضمان تسديد الديون البغيضة، التي تسببت تلك الأنظمة الفاسدة والقادة المتواطئون في تراكمها. ويجب أن يأخذ على عاتقه حماية الغابات الأفريقية، وهذا من أفضل الخيارات للتخفيف من تأثير الاحترار العالمي، كمحور لحل أزمة المناخ العالمية.

إن أصول أوباما الأفريقية ترسل إشارة أرجو أن ينتبه لها جميع الأفارقة: لقد انتهى عصر التغاضي عن القيادة السيئة.

لا يجب أن يجلس الأفارقة وينتظروا أن يغدق أوباما بالمساعدات والاهتمام على القارة لمجرد أن والده كيني. بل يجب أن يطالبوا بالقيادة التي يرغبون فيها، بدلا من قبول القيادة الموجودة بالفعل.

وفي الحقيقة، فقد يقدم انتخاب أوباما بداية جديدة للقصة الأفريقية. وقد يلهم الأفارقة الاجتهاد من أجل تحسين أحوالهم، والتخلص من ثقافة الاعتماد التي نالت من الكثيرين، ولاقتناص الفرص الكثيرة الموجودة. وبعد ذلك، ربما يتحقق الوعد مع الفخر الذي يشعر به ملايين الأفارقة حاليا: حيث لن يكون على الكثير من الأطفال الذين أطلق عليهم اسم الرئيس الأميركي الجديد أن يغادروا أفريقيا لتحقيق حلمهم.

*حائزة جائزة نوبل للسلام في عام 2004 ومؤسسة حركة الحزام الأخضر وعضو سابق في البرلمان الكيني ومؤلفة الكتاب الذي سيصدر قريباً تحت عنوان «التحدي أمام أفريقيا»

* خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»

خاص بـ«الشرق الأوسط»