القمة الأخيرة

TT

قمة عربية جديدة تنطلق، وهموم عربية لا يمكن إنكارها تحاصرها. الدوحة تستقبل القادة العرب لقمة عادية مقررة مسبقا، ولكنها قمة ملبدة بغيوم الأوضاع والخلافات العربية التي لم تعد تظهر على السطح فحسب، ولكنها أصبحت جزءا أساسيا من المناخ السياسي العربي. هناك شعار ورغبة معلنة بأن تكون الدوحة المحطة الكبرى لإطلاق المصالحة العربية بشكل شمولي وموسع، ولكن يبدو واضحا أن الخلافات أعمق بكثير مما كان متوقعا بين بعض الأطراف، وبالتالي قد تكون هذه قمة «تهدئة» وليست قمة مصالحة متكاملة حقيقية. هناك حيرة واضحة في الاتفاق على الأولويات، فأي القضايا العالقة أكثر إلحاحا؟ هل القضية الفلسطينية لا تزال لديها نفس «الوهج» القديم؟ وخصوصا في ظل الصراعات البينية الفلسطينية، ويتفاقم هذا السؤال ويزداد أهمية حينما يوضع في الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية القادمة، هي «مجموعة من الأخبار السيئة» كل رموزها غربان شؤم ودعاة حرب)، أم المشكلة السودانية وتحديدا مسألة مذكرة توقيف الرئيس عمر البشير، الذي مارس مهرجان سفر وسياحة في آخر عشرة أيام يفوق ما سافره طيلة العشرة اشهر الماضية التي قبلها في «استعراض» طيراني غريب حتى وصل للدوحة وهو يظهر «تحديا» للمجتمع الدولي و«يخالف» رغبة المعتصمين من أبناء بلاده والرافضين لسفره، وأيضا يخالف فتوى شرعية صادرة لنفس السبب، أم يتم الحديث عن مشاكل اليمن وانتشار التنظيمات الإرهابية فيه بشكل بات يثير قلق جيرانه، أم الصومال وما بقي من الصومال والذي تحول مرتعا للأشقياء والخارجين على القانون؟ أم التناحر الخفي الذي لا يزال قائما بين المغرب والجزائر في ملف قضية الصحراء الغربية؟ وهناك الملف القديم الجديد الخاص بلبنان والفصائل المختلفة فيه التي لا تنتهي، وطبعا لا يمكن أن ننسى آخر الملفات المستجدة والمتعلقة بالخلاف المصري ـ القطري، الذي أضيف إليه الملف الأردني ـ القطري. هذا ودون الحديث عن المواقف «النهائية» إزاء الخلافات التي كانت مع سورية في بعض السياسات والتحالفات المعروفة.

القمم العربية تعقد أساسا وسط حالة من القنوط والإحباط الكبير لدى المواطن العربي وثقته في قراراتها وسياساتها، فهو يعلم (وعن تجارب سابقة) أن هذه القمم ما هي إلا شكلية فقط دون فعالية جادة، فهي غير ملزمة وباتت غير جادة مع مرور الوقت، ولكن هناك ذهنية جديدة تصعد على السطح، ذهنية باتت «تعيب» الاستمرار في هذه المواقف والتناحر الهزيل. كثير من هذه الخلافات المذكورة أعلاه تم الإعلان عن «حلها» وسرعان ما تبين أن هذه المسألة ما كانت سوى فرصة التقاط أنفاس لا غير، لأن جذور الخلاف لا تزال موجودة وبقوة، وقد يتطلب هذا وجود لجنة حكماء «عالية المستوى» من وزراء وزعماء سابقين، الغاية منها تفعيل المصالحة على أعلى مستوى بشكل «مستمر»، وليس متقطعا وخاضعا للمناسبة فقط. قمة الدوحة من الممكن أن تكون نقلة قوية لإحداث المصالحة، وليس الحديث عنها، لو توافرت النوايا الجادة وأدركت خطورة الاستمرارية في نفس الطريق الفردي. بغير ذلك لن تكون قمة الدوحة سوى قمة الفرصة الأخيرة.

[email protected]