العشرون.. والنظام الدولي الجديد

TT

صحيح أن قمة مجموعة العشرين، التي ستعقد في لندن الخميس المقبل، هي اجتماع أزمة لبحث الخروج من ركود عالمي قد يكون الأسوأ منذ 60 عاما، لكنها أيضا تمثل في حد ذاتها محطة أو علامة فارقة في العلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين، وشبه بداية عملية لما كان يجري الحديث عنه منذ سنوات عن ملامح نظام دولي جديد لا يزال في طور التشكل.

وللمقارنة التاريخية، فإن النظام الدولي، الذي عاش العالم على إيقاعه حتى الآن، جاء بعد أزمة طاحنة اقتصادية وسياسية، بدأت بالكساد الكبير في الثلاثينات، وامتدت إلى حرب عالمية طاحنة أفرزت بعدها قواعد ذلك النظام، الذي اعتمد على مجلس أمن دولي، ركيزته خمس قوى نووية عظمى لها حق الفيتو، وهي القوى النووية الوحيدة الشرعية حتى اليوم، واقتصاديا مؤسسات الصندوق والبنك الدولي، والدولار كعملة احتياط وتجارة عالمية.

لذلك ليس غريبا أن نجد النظام الجديد يتشكل تحت وطأة أزمة تأثر بها كل العالم، وهي في طبيعتها اقتصادية فقط، لأن العالم أصبح أكثر رشدا وعقلانية من أن يخوض حروبا عالمية جديدة في زمن الأسلحة النووية، وإن كانت الأزمة يمكن أن تهدد بقلاقل سياسية واجتماعية، كما حذر أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.

قد يكون جدول الأعمال اقتصاديا صرفا أمام القادة الـ20 الذين سيجتمعون في لندن، لكن النتائج لها انعكاساتها السياسية والمعيشية على حياة البشر، وعلى علاقات الأمم ببعضها.

وتركيبة المجموعة بالتفاوتات الهائلة لمتوسط دخول الأفراد في دولها، تعكس ملامح شراكة بين قوى قديمة وجديدة في العالم، بين الدول الصناعية الغنية، التي يتجاوز دخل الفرد في بعضها 30 و40 ألف دولار سنويا، مثل ألمانيا والولايات المتحدة، وأخرى حجمها الإجمالي كبير اقتصاديا، لكن متوسط دخل الفرد فيها ضعيف، مثل الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل.

وهذه القوى الناشئة الجديدة، التي تضم من منطقة الشرق الأوسط، السعودية، هي الشريك الجديد المتوقع أن يكون صوتها أقوى في وضع ملامح النظام الدولي الجديد، الذي لن يأتي سهلا، والمؤكد أن فترته الانتقالية ستشهد مناوشات، ودبلوماسية صعبة.

ملامح ذلك تبدو من الدعوة التي أطلقتها الصين، وتجاوبت معها روسيا للجوء إلى عملية احتياط دولية جديدة بدلا من الدولار، تكون وحدات حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، ورغم أن ذلك لا يبدو عمليا أو قابلا للتحقق في الأمد المنظور، لكنها دعوة تحمل في باطنها رغبة من هذه القوى الجديدة في أن يكون لها صوت أقوى في تقرير سياسات الصندوق الدولي، إذا استجابت لدعوة وضع موارد إضافية فيه لمضاعفة موارده إلى 500 مليار دولار، من أجل انقاد الاقتصاديات المضطربة في العالم، وهي بعبارة أخرى رغبة في أن يكون لها صوت مسموع أقوى في إدارة اقتصاد العالم.

وحتى لا نخطئ قراءة ما يجري فإنه يجب عدم الوقوع في وهم الذين لا يزالون يعيشون في حلم فترات تاريخية سابقة، مثل الحرب الباردة وتقاسم العالم بين قوتين عظميين، فالتاريخ لا يكرر نفسه، وبقدر ما إن هناك صراعا بين الصين، التي تخطو بشكل سريع لتؤكد نفسها كقوى عظمى اقتصادية وعسكرية، والولايات المتحدة، بقدر ما إن هناك شراكة واعتمادا متبادلا يتمثل في حجم التجارة الهائل والاستثمار الصيني الضخم في أميركا، الذي يتجاوز تريليون دولار. والحال نفسه ينطبق على الهند، التي تسير في اتجاه الصين نفسه لتعزيز مكانتها في العالم.

ومثل أي منعطفات تاريخية محورية، فإن الأمور تتشكل ليس في اجتماع واحد أو عدة اجتماعات، ولكن تدريجيا، لذلك فإن لا أحد يتوقع قرارات في قمة العشرين ستغير العالم في 24 ساعة، أو حل كل الخلافات في وجهات نظر في اجتماع واحد.