في يوم الكذب العالمي

TT

يستحق يوم 1 أبريل (نيسان) أن يحتفل به العالم لو أن الكذابين يكتفون به لممارسة أكاذيبهم، ثم يصدقون بعده طوال العام، إذ سيصبح هذا اليوم أشبه بركن الزبالة، الذي يحفظ كل أيام العام الأخرى نظيفة، لامعة، براقة، صادقة، لكن الأمل في أن يكتفي الكذابون بيوم واحد في العام ضرب من المستحيل، يشبه أمل إبليس في الجنة.

وفي الواقع أن الأول من أبريل ليس يوم الكذب في العالم، بل هو ـ على وجه الدقة ـ يوم بدء الكذب، إذ كان الأول من أبريل يعتبر اليوم الأول من العام وفق التقويم الذي ساد في الغرب طويلا قبل أن يقوم الملك تشارلز التاسع عام 1582 بتغييره لتكون بداية العام في الأول من يناير (كانون الثاني) بدلا من ابريل، أي أن الكذابين اعتادوا أن يبدأوا البث منذ اليوم الأول من السنة، ويمضوا على حالهم طوال العام.

وهذا اليوم العالمي للكذب، و«الفشر»، و«البحبحة» لم تصلنا أخباره إلا منذ سنوات محدودة، وإن كان الأمر لا يعدم وجود صناع محليين للكذب، أسوة بمختلف الأمم رغم اشتراك كل الثقافات العالمية في ذم الكذب والكذابين.

وفي حيّنا الشعبي العتيق بجنوب مدينة جدة، كان لمجموعة من الكذابين ركنها الخاص في أحد المقاهي الشعبية، ومنهم ذلك الصياد، الذي يعد أخفهم ظلا، وأخصبهم خيالا، وهو يروي كيف اصطاد ذات يوم عروس البحر، ونقلها إلى منزله، فتولت أمور الكنس، والغسل، والطهي سنوات قبل أن يعيدها إلى البحر على أثر تعاظم أشواقها إلى أسرتها، وأهلها، وناسها في أعماق البحار بعيدا عن اليابسة! ولأشهر الكذابين في جدة روايات تستحق أن تروى، ومنها: أنه شاهد ذات يوم طائرة تطير، وقد تسرب الوقود من خزانها، فلم يطق صبرا خوفا على سلامة ركابها، فأخرج علكة من فمه، وصوبها ـ مستخدما نبلا لاصطياد الطيور ـ إلى فتحة تسرب الوقود فنجت الطائرة، وسلم الركاب. ومن رواياته الخالدة أيضا أنه كان يسبح على ظهره على شاطئ جدة، ونسي نفسه، ولم يتنبه إلا حينما اصطدم رأسه بلوحة في البحر ـ على الشاطئ الأفريقي ـ كتب عليها: «بورسودان ترحب بكم»، فقفل راجعا إلى مدينته بعد أن ألقى من البحر إطلالة سريعة على المدينة السودانية العتيقة!

وأنا أعتبر النماذج التي ذكرتها من الكذب ضربا من الخيال، الذي لو امتلك أصحابه أدوات التعبير المناسبة لتحولوا من كذابين إلى مبدعين كبار، لكن شاءت الظروف أن لا تسمو بهم بعيدا عن مواقعهم.

[email protected]