حان وقت إلغاء القمم العربية

TT

هذه ليس دعوة وليدة أحداث قمة الدوحة، فكل القمم العربية تقريبا تنتهي بالمزيد من الخلافات، وتؤكد على أن القمم تضر بصحة العرب أكثر مما تصلح حالهم. وقد أحسن الرئيس المصري حسني مبارك عندما قرر الغياب، لأنه لا فائدة من قمم تترك وراءها طعما مرا، وانطباعات شعبية سلبية. فرغم كل المحاولات الصادقة لم تفلح مؤسسة القمم العربية في تحقيق شيء من مشاريعها وشعاراتها على كل المستويات تقريبا. وأجزم أنه لو استُفتي العرب في كل بلد لما حظيت القمم بشيء من التأييد، فهي تعقد على مدى عقود ولم تحقق لهم شيئا.

هل نحن فعلا بحاجة إلى قمة عربية؟ قطعا لا، وستون عاما من القمم تؤكد ذلك، فقد بدأت أول قمة في أنشاص المصرية، وكان موضوعها وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين. كان ذلك قبل عامين من حرب 48 وإعلان دولة إسرائيل، وما تلاها عقود وقمم وخطب ووعود فقط. هذا ما يعرفه جيدا سلطان عمان الذي بحكمته عوّد الجميع على تحاشي حضور القمم العربية، مع أنه يداوم على حضور القمم الأقل شأنا، مثل الخليجية، لأنه يعلم أنها تمس مصالح بلاده بشكل مباشر، وأن معظم نشاطاتها أكثر فعالية، وغالبا لها نتائج على الأرض، حتى مع ما يطرأ عليها من خلافات.

والاستغناء عن القمم العربية لا يلغي الحاجة إلى الجامعة العربية، المؤسسة المفترضة للنشاطات العربية الجماعية. وفي ظني أن القمم العربية تضعف الجامعة العربية ولا تعززها، كما كان يظن، فقد اعتادت الجامعة العربية على التركيز على خدمة برنامج عمل القمة الذي ينحو بشكل مركز ومتكرر إلى الحديث عن الشأن السياسي. والقضايا السياسية الكبرى، كما يعلم الجميع، خارج قدرة الجامعة والقمة كما رأينا منذ بدايات القضية الفلسطينية وحتى مطاردة الرئيس السوداني عمر البشير. وبسبب هيمنة السياسة، وعجز القادة العرب، وضعف إمكانيات بلدانهم، وبالطبع كثرة خلافاتهم، بات الكل مقتنعا بأنه لا توجد حاجة إلى قمة عربية، لأنها صارت توسع الشروخ العربية أكثر مما تضيق الخلافات.

والهدف النبيل المتوقع من الجامعة العربية هو تحقيق التعاون العربي في كل المجالات، لا السياسة وحدها. وهذا عمل جبار يحتاج إلى اهتمام الجامعة المنشغلة دائما بالتحضير للقم والاجتماعات الوزارية المرتبطة بالقمم. وزاد الطين بلة أن القمم العربية كانت تعقد للحاجة حتى اقتنع القادة بأنه من كثرة قمم عادية وطارئة، الأفضل جدولتها لتعقد مرة كل عام، من باب تسهيل التنظيم وإعطاء فرصة للإعداد الجيد لها. النتيجة عكسية تماما، فقد تسبب تثبيت القمة الدورية في توسيع الخلاف على رئاستها، والتبكير بتحالفاتها السلبية والمقاطعات الاحتجاجية. هذه العلل صارت تتكرر في كل قمة دورية. إذن ما الفائدة من قمة دورية تحمل نفس عيوب القمة الطارئة؟

لقد أكدت قمة الدوحة، بما سبقها من تنازع على استضافات القمم الصغيرة والاقتصادية والطارئة، نفس الأمر الذي أظهرته قمة دمشق والرياض وغيرها. العرب ليسوا في حاجة إلى قمم، بل إلى خبز ووظائف وسلام، الأمور التي لم تعالج القمم في كل تاريخها أيا منها.

[email protected]