سوق النفط تحتاج مزيدا من الشفافية وإشرافا أفضل

TT

شهد العام المنصرم أعلى تذبذب في أسعار النفط على الإطلاق. ويجمع الخبراء اليوم على أن هذا التذبذب الحاد في الأسعار لم يكن فقط نتيجة عوامل العرض والطلب في السوق النفطية، وإنما تفاقم بسبب المضاربات والتكهنات حول مستقبل سوق النفط. وتجدر الإشارة إلى أن التذبذب الحاد في الأسعار يؤثر سلبا على المصالح الاقتصادية للمستهلكين والمنتجين على حد سواء. وكما أن المضاربات في الاتجاه الصاعد ظلت بدون سيطرة، فإن انخفاض الطلب على النفط حاليا سوف يؤدي إلى المبالغة في تدهور أسعار النفط. مما سيولد كثيرا من الغموض فيما يتعلق بأسعار النفط، قد يؤدي إلى نقص كبير في حجم الاستثمارات، ليس في مجال النفط فقط، بل في المصادر البديلة للطاقة أيضا.

ولكن ألا تعتبر أسعار النفط خبرا سارا وجيدا للمستهلكين؟ نعم إنها كذلك على المدى القصير. ولكنْ هناك خطر جدي أن نكون على المدى المتوسط في مرحلة نهيئ فيها أنفسنا لأزمة جديدة في المعروض من النفط، ولجولة جديدة من الارتفاع في الأسعار، حالما يتعافى الاقتصاد العالمي. والسبب يعود إلى أن أسعار النفط الراهنة قد بدأت تتسبب في تأجيل وتأخير الكثير من المشروعات الاستثمارية النفطية. فالمملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط، تمشي وفق جدول زمني للوفاء بتعهداتها، بزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل في اليوم في نهاية 2009، وهو أمر يجب أن يكون محل تقدير العالم أجمع. وقد يؤدي هذا إلى توفر احتياط نفطي مرتفع وغير مسبوق، يصل إلى 4.5 مليون برميل في اليوم. وعلى الرغم من كون هذا الأمر مريحا، فإن أسعار النفط الراهنة تزيد الأمور سوءا بالنسبة لمشروعات النفط «الصعبة»، في المناطق التي تكون فيها تكاليف استخراج النفط مرتفعة، ولا يمكن تخفيضها بسرعة (كالرمال النفطية في كندا، البحار العميقة في البرازيل وأنجولا وغيرها).

لماذا يشكل شح الاستثمارات مشكلة بالرغم من تدني الطلب على النفط في عام 2009؟ أولا: لأننا نحتاج إلى معظم الاستثمارات للتعويض عن الانخفاض الهام في الحقول النفطية الموجودة حاليا.

ثانيا لأنه عندما يتعافى الاقتصاد العالمي فإن الطلب على النفط سيتحسن بسرعة، وسيزداد بشكل ملموس، خاصة بسبب النمو الاقتصادي في آسيا. وبما أن نقص السيولة أصبح تبريرا جزئيا للنقص في الاستثمارات في قطاع الطاقة، فهناك حاجة لفصل هذه الاستثمارات من قائمة القطاعات المأزومة، حتى تتلقى التمويل البنكي الضروري. فتقييد الاستثمارات في مجال الطاقة دليل على قصر النظر، وقد يؤدي هذا إلى أضرار في المستقبل. إن السيناريوهات الواقعية للطاقة تدل على أن العالم سيحتاج إلى مزيد من النفط لعدة عقود، علما أن المصادر البديلة للطاقة سيكون لها دور مكمل على الأكثر.

ماذا يمكن أن نفعل حيال هذا التذبذب الحاد في أسعار النفط؟ من المستحيل أن نلغي تذبذب الأسعار في سوق النفط. ولكن يمكننا العمل للحد من هذا التذبذب عبر مزيد من الشفافية وإشراف أفضل.

إن المبادرة المشتركة لإحصائيات النفط، التي يشرف عليها منتدى الطاقة الدولي، التي تشارك فيها كل من وكالة الطاقة الدولية والأوبك ومنظمات دولية أخرى، ساهمت في توفير بيانات شهرية أفضل عن الطلب والعرض على النفط، على مستوى العالم لكبار اللاعبين والمساهمين في السوق.

وعلى الرغم من الانجازات الكبيرة التي تحققت، فما زال أمامنا المزيد من العمل لتحسين نوعية واكتمال هذه البيانات في الوقت المناسب، (الصين والهند على سبيل المثال لا الحصر). كما أن مبادرة منتدى الطاقة لبناء قاعدة بيانات حول الاستثمارات النفطية العالمية سوف تساعد الأسواق على فهم التوازن بين العرض والطلب على المدى المتوسط. بالنسبة للسوق النفطية الورقية يجب أن نعالج مسألة الشفافية، وتضارب المصالح بين الذين يتاجرون بالنفط على الورق، والمحللين الذين يعملون في الشركات نفسها. إن اقتراحات فريق العمل حول مستقبل سوق السلع يجب أن ينفذ بسرعة لزيادة الشفافية في المتاجرة بمشتقات النفط، وتحسين الرقابة التنظيمية الدولية.

وعلى الرغم من كون سوق النفط الورقية مفيدة في التحوط للمخاطر القائمة في الشركات، حيث تستخدم فقط في المضاربة التجارية واسعة النطاق، قد يكون جديرا أن يتم النظر في إدخال سقوف ومحددات للمواقف، كما تتم مناقشته حاليا في الكونغرس الأميركي. ولا شك أن اجتماع مجموعة العشرين يركز على إعادة الثقة في النظام المالي العالمي. ومع ذلك نأمل أن تتم مناقشة الحاجة إلى ترسيخ نظام إشراف أفضل على النفط وسلع أخرى في الوقت نفسه، بهدف تقليل التذبذب في سوق النفط، مما سيعود بالفائدة على الاقتصاد العالمي.

*الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي

*كبير الاقتصاديين

البنك السعودي البريطاني