سيدتي العزيزة.. آه (!!)

TT

خير الكلام ما قل ودل ـ هكذا هم يقولون ـ وقد يكون معهم حق بذلك، غير أن مشكلتنا هي في كثرة الكلام وقلة دلالاته، ولكي لا أعمم ومن أجل أن يكون كلامي صادقاً وأميناً، فإنني أعترف وأتخذ من نفسي نموذجاً في كثرة (الهذر) دون أي فوائد تذكر.

غير أن الزائد أخو الناقص، والعكس أيضاً صحيح.

وإنني والله محتار، إن تكلمت أو كتبت كثيراً ازدادت أخطائي وأنبني ضميري، وإن أغلقت فمي وقلمي (بالضبة والمفتاح)، يسألني البعض: لماذا أنت صامت، هل أنت أبكم، هل نضب معينك؟! ولا أدري كيف أتكلم وأصمت في نفس الوقت؟!

وأذكر في يفاعتي أنني كنت مغرماً بتسطير الرسائل وأبعث بها لكل من هب ودب من المعارف، أبث فيها لواعجي ومشاهداتي وأشواقي وأحلامي، وأنتظر بفارغ الصبر ردودهم عليها.

وكانت صدمتي التي لن أنساها عندما أتاني يوماً ردٌ من أحدهم بعد أن ضاق ذرعاً برسائلي، قائلا لي بما معناه: لقد أزعجتني بكثرة الصفحات التي تكتبها لي، وكلها مجرد كلام تافه لا يهمني ولا يعنيني، فأرجوك (اعتقني) من هذه الرسائل وإياك أن تبعث لي بأية رسالة أخرى، ولمعلوميتك فلا تصلني أي واحدة منها إلا وأمزقها دون أن أقرأها ثم أرميها في الزبالة، فخلاص خلي عندك دم.

وقد سبب هذا الرد ألماً شديداً لنفسي، لدرجة أنني أخذت أعيد حساباتي في كل كلمة أكتبها، وأكبر دلالة أنني انقطعت من يومها نهائياً عن كتابة الرسائل، واتجهت لمحاولة التعليم على عزف العود.

ومن أشهر المختصرين المقلين الوزير الفرنسي (تاليران)، في كل ما يكتب، ومما يروى عنه أن زوج سيدة يعرفها توفي، فأرسلت له تخبره بمصابها الأليم وتعزيه في نفس الوقت نظراً للصداقة بينهما، وكانت دهشتها عندما حمل إليها البريد خطاباً نصه:

سيدتي العزيزة.. آه (!!)، صديقك (تاليران).

كما أن قيصرة روسيا (كاترين) كانت كذلك مغرمة بفن الاختصار، وكذلك كان قائد جيوشها (فلادمير)، وفي أثناء الحرب بين روسيا وبولندا، وعندما سقطت وارسو عاصمة بولندا، أرسل القائد تقريره عن الحرب ببرقية قائلا فيها: القيصرة كاترين، (وارسو) فلادمير.

وكان هذا أبلغ تقرير لأنه لا يحوي سوى اسم العاصمة التي احتلها، فأرسلت له الرد التالي:

عزيزي (المرشال)، وهي تدل على مكافأته بترقيته لرتبة مرشال.

أما أروع اختصار يدل على الذكاء (الفادح) فهو ما حصل منذ زمن في إحدى قرى الجزيرة العربية، عندما سافر الزوج وترك زوجته الحبلى، ووصى قريبا له أن يبعث له ببرقيه حالما تلد زوجته، ونبهه على أن لا يذكر اسم الزوجة لأن ذلك عيب، خصوصاً أن الموظف قد يقرأها، وعليه أن يكتفي بالرمز.

وبعدما وضعت زوجته، بعث له قريبه بالبرقية المستعجلة جاء فيها: نبشركم أن الرجال جاب جحشة ـ أي أنه يبشره أن زوجته قد ولدت له بنتاً ـ

وأحدهم بعث لرئيسه ببرقية سرية يخبره فيها عن إقلاع طائرة خاصة في مهمة لا يريدون أن يعلم عن إقلاعها أحد، وجاء في البرقية ـ أو (الشفرة السرية) ـ: سيدي الناقة طارت.

وهكذا هو الاختصار وإلا بلاش.

[email protected]