مرة ثانية مع عمود مرنبتاح

TT

في زيارة منذ وقت قريب لمعمل الترميم بقلعة محمد علي وقفت أمام العمود الشهير بـ«عمود الملك مرنبتاح»، وهو ـ أي «مرنبتاح» ـ ابن الملك «رمسيس الثاني»، والذي تولى الحكم بعد أبيه، وقد تقدم به العمر نظرا لطول فترة بقاء الملك «رمسيس الثاني» على عرش مصر لأكثر من ستين عاما.

وقد جاءت شهرة الملك «مرنبتاح» لسببين رئيسيين: أولهما بالطبع هو أنه ابن وخليفة «رمسيس الثاني»، فرعون الفراعنة المصريين القدماء، وثانيا للوحة المعروفة بـ«لوحة بني إسرائيل»، وهي لوحة كبيرة من حجر الغرانيت وجدت في أطلال معبده الجنائزي بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وسجل عليها إنجازات الفرعون المصري كقائد شجاع أخضع جميع البلاد والإمارات المجاورة لمصر، ومن ضمنها ذكر: «أقفرت إسرائيل ولم يعد لها بذور»، ولذلك حصل هذا الفرعون على شهرة واسعة لاعتقاد البعض أنه فرعون الخروج. وذلك على الرغم من علمنا أن هذه اللوحة نحتت في عهد الملك وليس بعد مماته، وكلنا يعلم أن فرعون الخروج مات غرقا...!

نعود إلى «عمود مرنبتاح» حيث كان مقاما داخل المدينة السكنية المعروفة بحي المطرية، وهي ضمن حدود المدينة الفرعونية القديمة «أون» أو «هليوبوليس» بمعنى (مدينة الشمس). وكانت أكوام القمامة تحيط بالعمود الذي أغرقته المياه، ولذلك أخذت قرارا مع المسؤولين عن الآثار بنقله من هذا المكان لترميمه، تمهيدا لعرضه داخل متحف يقام الآن بحديقة الأزهر عن تاريخ القاهرة. وبمجرد نقل العمود خرج بعض من أنصاف المتعلمين يروجون إشاعة مفادها أن مؤسسات صهيونية عالمية وراء نقل هذا العمود! ولا أعرف لماذا تود المؤسسات الصهيونية نقل هذا العمود؟! وأين كان هؤلاء والعمود كان على وشك أن يدمر تماما وسط أكوام من القمامة منذ أن كشف عنه الأثري المصري منير بسطة عام 1967؟! غريب أمر هؤلاء الذين لم يكتفوا بهذه الإشاعة، بل فوجئت بخبر يقول: «إن لوحة بني إسرائيل العملاقة اختفت من المتحف المصري»! ولم أجد أمامي غير الضحك، فشر البلية ما ضحك. وقد ضحكت من قبل عندما قمنا بنقل تمثال «رمسيس الثاني» من ميدان رمسيس الذي كان معروفا بـ«ميدان باب الحديد» إلى موقعه الجديد، متصدرا الساحة أمام المتحف المصري الجديد. وذلك بعد أن اختنق التمثال بوجود الكباري وهذا الضجيج والصخب والتلوث الذي بدأ يؤثر في بدنه الغرانيتي، وقد قرب التمثال من الاختفاء بين الكباري العلوية وطرق المشاة. وبمجرد أن بدأت عملية النقل انطلقت الإشاعات التي تشير إلى أن نقل التمثال جاء لإسعاد اليهود!!

إن طابور أعداء النجاح في أوطاننا يتفنن دائما في هدم كل جهد وعمل منظم، إما بزرع الإحباط في النفوس بإطلاق إشاعات وهمية، أو ببث الفتن وتدبير المؤامرات، فهؤلاء لديهم وقت فراغ هائل يستغلونه فقط في هدم الآخرين. وقد أطلقت على هؤلاء اسم «أتباع ست»، و«ست» هذا هو إله الشر عند المصري القديم، وذلك في مقابل «أتباع حورس» الذي كان يمثل الخير والحكم الصالح، وهو رمز البناء والتعمير في مقابل «ست» رمز الهدم والخراب.. تذكرت كل هذا وأنا أرى العمود بين أيدي المرممين المصريين يزيلون من عليه آثار سنوات من الهوان، ليعود كما كان في الماضي، رمزا لمدينة الشمس..

www.drhawass.com