عن الإعلام الذي صفق للبشير

TT

صفق إعلاميون لحظة متابعتهم مشاهد وصول الرئيس السوداني عمر البشير إلى مطار الدوحة. هكذا تقول الأنباء التي وردت من العاصمة القطرية، التي انعقدت فيها القمة العربية قبل أيام، التي تمخضت، من ضمن ما تمخضت عنه، عن دعم البشير ورفض مذكرة التوقيف التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية.

لماذا شعر بعض الإعلاميين العرب بالرغبة بالتصفيق للبشير؟؟

يشعر المرء بالحيرة وبالإحباط بلا شك إزاء ردود فعل من هذا النوع.

لماذا يشعر العرب (مع ال التعريف) أن الوقوف في وجه الغرب والعدالة الدولية أهم من أرواح مئات آلاف الضحايا الذين سقطوا في دارفور وبقاع عربية وإسلامية أخرى؟؟

إنه واحد من أوجه القصور الفادح في حسّنا الإنساني والأخلاقي. إذ يبدو أن تقارير المنظمات الحقوقية التي رصدت سفك دماء الدارفوريين وتشريد واغتصاب نسائهم لم تحرك ساكنا، بل اكتفينا جميعا بصم آذاننا وغض أبصارنا مقتنعين أن تلك ما هي إلا مؤامرة وسلسلة أكاذيب.

يبدو أن الهجوم الذي كان قد شنه مستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل قبل أسبوعين على الإعلام العربي، الذي وصفه بأنه إعلام غبي لا يفرق بين الأمن القومي والسبق الإعلامي، قد آتى ثماره مع الاحتضان الإعلامي والرسمي العربي للبشير. فقد احتفى الإعلام العربي بالبشير الذي صال وجال في عدة عواصم إفريقية قبل أن يحط في الدوحة ويحظى بهذا الاحتضان..

في ختام القمة العربية، ومن ضمن المقررات، تلا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مطالبة العرب بمحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين في غزة..

إنها مطالبة محقة وملحة لكنها خسرت مصداقيتها..

حين تلا موسى تلك الفقرة لم ينبر واحد من أولئك الإعلاميين الذين صفقوا للبشير ويسأل: كيف يمكن للعرب أن يطالبوا بالعدالة وبمحاكمة إسرائيل، فيما هم يضربون عرض الحائط بمفاهيم العدالة، من خلال دعم من يحتاج لأن يثبت براءته، ليس أمام المجتمع الدولي، بل أمام مجتمعه السوداني أولا.

لا يشعر العرب بأي خزي إزاء صمتهم لما جرى في دارفور؟؟ قد يبرر البعض أن عدم اكتراث العرب بأزمات غيرهم مرده إلى عدم نضوج ثقافتنا وديمقراطيتنا على غرار الغرب، وأن لدينا من المشاكل في فلسطين والعراق قدر كبير. لكن هل يشفع هذا كي نتعامل بدم بارد مع مأساة أهل دارفور.!! أليست عنصرية أن نستثار لفلسطين ولبنان والعراق ولا نشعر بالمثل إزاء أهل دارفور التي تقول الوقائع والأرقام إنها مأساة فاقت بكثير سابقاتها؟؟

أليست عدالة قضيتنا في غزة تقتضي انحيازنا لعدالة ينشدها ضحايا دارفور!.

نحن هنا لا نتهم البشير، وهذا ما يجب ألا تقع فيه الصحافة الداعية لإظهار الحقيقة في دارفور، إنما المطلوب صحافة ضاغطة في اتجاه مباشرة بناء سكة عدالة فيما يخص ضحايا دارفور.

الأكيد أن تصفيق الصحافيين للبشير لم يكن في هذا الاتجاه..

[email protected]