في جناح همنغواي.. خطأ في الحجز

TT

العام 1977 جئنا إلى باريس وقد تغيرت أحلام كثيرة من تلقاء نفسها. وكانت حرب لبنان تثقل علينا بحيث لم يعد مكان لأمل، وليس فقط لحلم. وقد انضممت إلى أسرة «المستقبل»، التي أصدرها الزميل الراحل نبيل خوري مفاخراً بأنه جمع 12 رئيس تحرير سابقاً. وذات مرة جاءنا من القاهرة أحمد بهاء الدين حاملا ظرفه ولماحته وطيبته. وسألني نبيل: «إلى أين نأخذ بهاء للعشاء؟». واقترحت «الكلوزري دوليلاس» التي كانت مقهى همنغواي المفضل. وقلت له، لن تجد لبهاء جواً أفضل من هذا المطعم الذي يرفع صور جميع الأدباء الذين كانوا يرتادونه في قديم الزمان.

وضحكت في نفسي: أهذا كل ما حققت من حلم همنغواي؟ أن أتناول الطعام تحت العريشة التي كان يجلس في ظلها؟ لقد كان للروائي العالمي مكانان في باريس: «الكلوزري دوليلاس» أيام العوز، وفندق «الريتز» في زمن الشهرة. وأما وقد أصبحت «الكلوزري» في المتناول، على الضفة اليسرى، فإن «الريتز» لم يقحم في الحلم. وعندما أصبح «الريتز» من مقتنيات محمد الفايد، عرف كيف يستثمر اسم همنغواي بمهارة، كما استثمر مجموعة من الأسماء، في الفرح وفي التراجيديا القصوى. ولم يكتف رجل الأعمال الناجح باقتناء «هارودس»، جوهرة التاج البريطاني بل سعى إلى اقتناء التاج نفسه، عن طريق المصاهرة. وكان أول ما فعله عندما تحقق له شيء من الثروة أنه اشترى قصر ملك بريطانيا السابق وزوجته المستر سمبسون. ولم يكن «الريتز» بكل أبهته وما بناه المسيو ريتز في أوائل القرن الماضي، سوى حبة من الماس في عقد فريد من المشتريات.

كتب أحد القراء إلى البريد مرة، أننا معشر الكتاب والأدباء نغار من أصحاب الثروات ولذا ننتقدهم، رداً على ما كنت أكتبه عن مغالاة الفايد في ظهور إعلامي يسيء إليه. وأكرر القول لذلك القارئ القديم الفائق الفطنة، إنني عندما أقرر أن «أغار»، فسوف أغبط رجالا مثل همنغواي.

الجزء الأقصى من الحلم تحقق قبل أسابيع، عندما دعيت لتمضية أسبوع في «الريتز». وعندما وصلت قال لي موظف الاستقبال إن ثمة خطأ في تاريخ الحجز، ولذلك سوف يعطيني ما هو متوافر لديه. وشكرته وصعدت إلى غرفتي وكان مكتوباً على بابها «جناح إرنست همنغواي».