العمليات الإرهابية في باكستان تهدد بإشعال حرب مع الهند

TT

الهجوم الأخير الذي تعرضت له مدينة لاهور، تذكير جديد بالخطر الذي يشكله الإسلاميون المتطرفون على باكستان. الدولة الأساس التي تعتمد عليها الإدارة الأميركية لإلحاق الهزيمة بـ «القاعدة» وأتباعها. بعد الهجوم على «كلية الشرطة»، أكد أحد المسؤولين الأمنيين الباكستانيين أن الإسلاميين يهزون استقرار بلاده.

الأسبوع الماضي، وأثناء إعلانه عن الاستراتيجية الأميركية لرسم سياسة «الخروج» من أفغانستان وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما باكستان بأنها «المكان الأكثر خطراً في العالم».

الهجوم على الفنادق، وعلى الفرق الرياضية وعمليات انتحارية متفرقة ومتعددة، والآن الهجوم السافر على «كلية الشرطة»، تؤكد كلها أن باكستان تغرق أكثر وأكثر في عنف تسببه مجموعات متطرفة مستمرة في تحدي الدولة وربما إسقاطها. ولزيادة الأوضاع سوءاً فإن التخبط السياسي، وضعف الحكومة يضاعفان الشعور بأن باكستان «تغرق» في ما لا تحمد عقباه.

للمرة الثانية خلال شهر واحد تتعرض لاهور لهجوم الإرهابيين، الأولى عندما استهدفوا فريق «الكريكت» السريلانكي. ومن بقي على قيد الحياة من المجندين في الهجوم الثاني أكد أن المهاجمين كانوا ينوون قتل كل من يصادفونه، وكان إظهار المهاجمين على تحديد أهدافهم (فريق الكريكت، وكلية الشرطة)، والتسبب في أوضاع بشعة، نتج عنه ما يشبه أزمة ثقة في الدولة ومؤسساتها وأثار المخاوف من أن السلطات الباكستانية تخسر المعركة ضد العنف.

يوم الجمعة الماضي وفي شرحه للإستراتيجية الجديدة في أفغانستان شدد الرئيس أوباما على أن سيطرة باكستان على المقاتلين ستكون الركيزة الأساسية في تطبيق مبادرته، وعرض عليها كمساعدة مالية 5,1 مليار دولار سنوياً شرط أن تظهر الحكومة رغبة والتزاماً باجتثاث المتطرفين الإرهابيين داخل حدودها.

بريطانيا فسرت هذا العرض بأنه يتطلب من باكستان إفراز أعداد كبيرة من جيشها النظامي للقتال، وهذا ما تبدو الحكومة الباكستانية مترددة في الإقدام عليه.

ليس واضحاً من قام بالعملية الأخيرة، لكن مسؤولاً حكومياً قال إنه يعتقد أن المهاجمين ينتمون إلى بيت الله محسود الزعيم القبلي المتهم بقتل رئيسة الوزراء الباكستانية بي نظير بوتو.

قبل وضع الاستراتيجية الأميركية المتعلقة بأفغانستان نوقش الدور الذي «يجب» أن تلعبه باكستان خلال زيارة قام بها إلى واشنطن قائد الجيش الجنرال اشفق برويز قياني. وكذلك عندما زار رئيس الاستخبارات الأميركية ليون بانيتا إسلام آباد أخيرا. كما نوقشت الأهداف التي ستتم مهاجمتها.

وخلال لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين أُبلغ قياني أن المعلومات الأمنية التي سيجري تبادلها يجب أن تكون على أعلى مستوى، وتتضمن تحركات كل المشكوك بهم إن كانوا أفغانا أو باكستانيين، وعلى رأس قائمة هؤلاء: بيت الله محسود، سراج الدين بن جلال الدين حقاني، والملا عمر عن الجانب الأفغاني إضافة إلى الملا حسن رحماني، الملا عبد الرزاق، والملا برادار.

الأسبوع الماضي شنت طائرة من دون طيار تابعة للاستخبارات المركزية الأميركية هجوماً على مدينة «مكين» في شمال وزيرستان، مسقط رأس ومقر قيادة بيت الله محسود، وكانت الولايات المتحدة وضعت أخيرا جائزة بقيمة 5 ملايين دولار لمن يرشد إلى مكان محسود.

شنت الطائرة هجومها على الرغم من أن محسود أعلن تخليه عن شن هجمات قتالية ضد القوات الأمنية الباكستانية، بعد الاتفاق الذي توصلت إليه حكومة باكستان مع «طالبان» وادي سوات، ومنحتهم الحكم الذاتي. وقرر محسود على إثرها التفرغ لمواجهة القوات الغربية في أفغانستان. هجوم الطائرة وضع نهاية لوقف إطلاق النار، وبدأت موجة من العمليات الانتحارية ضد القوات الأمنية في المناطق الحدودية الشمالية الغربية، لكن الهجوم الذي تعرضت له «كلية الشرطة» في لاهور، وسع إطار ساحة المعارك.

أمر آخر لافت جرى إثر الهجوم الأخير كونه وقع تحديداً في «مناوان» مدينة من ضواحي لاهور، وتبعد عن الحدود الهندية خمسة أميال، وهذا أثار مخاوف من أن هدف المهاجمين خلق توترا ما بين الهند وباكستان ومضاعفة خوف الهند والغرب من أن باكستان ستصبح ساحة إرهاب تصعب السيطرة عليها. فقد صرح نائب رئيس الأركان الهندي بأن القوات الهندية على تأهب دائم إذا ما «وصل أي نوع من المشاكل الباكستانية نحو حدودنا».

الهجوم المتكرر على لاهور يضرب عمق البنجاب، مسرح عمليات «عسكر طيبة» و«جيش محمد». هذان التنظيمان كانت تستعملهما الاستخبارات الباكستانية في حربها ضد الهند، ويشكل البنجابيون والكشميريون أغلبية مقاتليهما الذين يعملون على استعادة كشمير كلها. خفت قبضة الاستخبارات الباكستانية على هذين التنظيمين بعد الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي عام 2001، كما تعرضت باكستان لضغوط دولية للجم هذين التنظيمين.

ومع تأجيج حرب الجهاديين في أفغانستان وباكستان، كثف «عسكر طيبة» و«جيش محمد» من اتصالاتهما مع «طالبان» و«القاعدة»، ورغم إبقائهما على العلاقة مع المتعاطفين معهم في الاستخبارات الباكستانية، نجحا في الانفكاك عن إسلام آباد والبدء في شن عمليات مستقلة. وكانت عملية الهجوم على فندقي «مومباي» التي قامت بها عناصر تابعة لـ«عسكر طيبة» في محاولة لإشعال مواجهة بين الهند وباكستان. لكن باكستان تعرضت من جديد لضغوط دولية لضرب «عسكر طيبة»، وتراجعت الهند عن تهديدها بالرد عسكرياً كي لا تزيد من حالة اللااستقرار التي تمر بها الدولة الباكستانية. وكان لوحظ أنه بعد الهجوم على فريق «الكريكت» أن الإعلام الباكستاني اتهم الاستخبارات الهندية بالوقوف وراءه. لكن هذا الأمر لن يتكرر مع الهجوم على «كلية الشرطة»، إذ ذكرت التقارير أن المهاجمين باكستانيون بينهم أفغاني واحد.

ربما من مصلحة باكستان دعم هذه الادعاءات لإبعاد التركيز عن تردي الوضع الأمني الداخلي، ولتوحيد الرأي العام الباكستاني ضد العدو المزمن: الهند. من هنا، كان اتهام رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني للهند في كلمة ألقاها في 27 آذار (مارس) في «جامعة الدفاع الوطني»، بأنها «تتطلع حثيثاً لإيجاد فرصة لشن حرب تقليدية على باكستان» وأن بلاده سترد على كل خطر يهدد وحدة ترابها وسيادتها، بكل قوة. الخطير في هذا الموقف، أنه يلتقي مع مواقف الجهاديين المتشددين، وإن كانت الأهداف مختلفة. فهم مستمرون في تطبيق إستراتيجيتهم بتحويل تركيز المؤسسة العسكرية من الجبهة الغربية لباكستان حيث حدودها مع أفغانستان، وإعادته إلى الجبهة الشرقية حيث الحدود مع الهند.

من ناحيتهم، صار الباكستانيون يشعرون بالمعاناة والخوف ويطالبون دولتهم باعتماد سياسة أو استراتيجية جديدة لوقف هذه العمليات. البعض يطالبها بتقوية أجهزتها الأمنية لتكون قادرة على جمع المعلومات لمنع هذه العمليات من الوقوع، وتحييد المجموعات المتطرفة عبر اختراقها، والتأكد من أين تحصل على الدعم، وأين تدرب عناصرها، وأين تجمع المجندين، واثر الهجوم الأخير عبر أبناء لاهور عن «قلقهم على دينهم وعلى عائلاتهم وعلى ممتلكاتهم».

حدثان يشيران إلى تطور لافت:

الأول: أن قدرة قوات الأمن وخصوصا «شرطة النخبة»، ذراع الكومندوس لمكافحة الإرهاب، التابع لشرطة البنجاب، من إعادة السيطرة بسرعة على «كلية الشرطة» واعتقال خمسة من المهاجمين، تعني هذه أن المؤسسة الأمنية الباكستانية انتقلت إلى خط الهجوم.

الثاني: أن سعير المتطرفين المنتشر من أفغانستان إلى باكستان حتى الهند، يؤكد أن لاعبين مختلفين مسؤولون عن شن هجمات الإرهاب والعنف في تلك المنطقة. وكلهم تجمعهم شبكة إقليمية واحدة، تغذيها بالطبع أطراف خارجية صارت معروفة. وفي حين يمكن تفسير تضاعف عمليات الإرهاب بأنه استغلال لضعف باكستان، فمن الممكن أن يؤدي إلى قرار بالقضاء على هذه الشبكة الإرهابية الإقليمية وان يدفع بالولايات المتحدة وباكستان إلى التنسيق أكثر ضد هدف مشترك يهددهما، وهذا قد يجذب تعاطف الهند، ودعم الشعب الباكستاني.