مزيج من الحذر والارتباك في التعامل مع إيران

TT

كان أحد الخلافات المشتعلة بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون أثناء انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية تتعلق بإجراء مفاوضات مع إيران. وقد تعهد أوباما في اندفاع برغبته في الاجتماع مع قادة العديد من الأنظمة الخارجة على القانون في عامه الرئاسي الأول. وردت عليه كلينتون: «لا أريد أن استخدم من أجل أغراض دعائية.. لن يكون لدينا رئيس يقابل فيدل كاسترو وهوغو شافيز ورؤساء كوريا الشمالية وإيران وسورية، حتى نعرف ما هو أفضل طريق يجب أن نتخذه».

وحتى الآن، استمر اتجاه كلينتون في شأن إيران، لعدة أسباب.

أولا، من المقرر انعقاد الانتخابات الرئاسية في إيران في 12 يونيو (حزيران)، والتي يواجه فيها الرئيس الشعبي الغامض محمود أحمدي نجاد خصما إصلاحيا قويا. وقد أصيب موقف أحمدي نجاد السياسي بالضعف بسبب وصول معدل التضخم إلى ما يزيد على 20 في المائة، ووصلت نسبة البطالة إلى 30 في المائة. وربما تصبح احتمالات فوزه أقوى بتدخل أميركي مباشر رفيع المستوى. وتتجنب الإدارة منحه منبرا دوليا يمكن أن يستغله لتحقيق مكاسب سياسية في فترة الانتخابات.

ثانيا، إيران ليست في حالة تسمح لها بالتعاون. لقد رحب أحمدي نجاد بدعوة أوباما في حفل التنصيب، ويده الممدودة أمام القبضة المرخية، بطلبه الاعتذار عن «الجرائم» التي ارتكبت ضد إيران، والتغيير «العميق والأساسي» في السياسة الأميركية. وفي الفترة الأخيرة، كرر تأكيده على أن الهولوكوست «كذبة كبرى». وفي الشهر الحالي، صرح القائد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي بأول تعليقات عامة له عن عصر الانفتاح والدبلوماسية. وهاجم أوباما بسبب تبنيه التزام جورج دبليو بوش الإستراتيجي تجاه إسرائيل، واصفا هذه الدولة بـ«الورم السرطاني». وأعرب عن تأييده التام للجماعات الإرهابية مثل حماس وحزب الله، وانتقد قيادات فلسطينية بسبب قبولها التسوية مع «النظام الصهيوني».

ويبدو أن القادة الإيرانيين ووكلائهم يعتبرون عرض إجراء مفاوضات إشارة على الضعف الأميركي. ويقول زعيم حزب الله حسن نصر الله في سخرية: «إن الولايات المتحدة الآن مستعدة للتفاوض مع أية أطراف، وليس بسبب الحس الأخلاقي، ولكن لأنها فشلت في تنفيذ خططها في المنطقة».

وفي الوقت ذاته، تستمر قوات القدس الإيرانية في قيادة الإرهابيين الشيعة داخل العراق وفي تدريبهم وتسليحهم. وفي شهادة أمام لجنة مجلس الشيوخ، قال مدير الاستخبارات الوطنية دينيس بلير: «ألمح بعض المسؤولين، مثل قائد قوات الحرس الثوري الإسلامي ميجور جنرال محمد علي جعفري نجف ابادي، إلى أن إيران سيكون لها يد في هجمات تستهدف ’المصالح الأميركية حتى في الأماكن البعيدة‘، مما يشير إلى أن إيران لديها خطط محتملة للحرب غير التقليدية والإرهاب ضد الولايات المتحدة وحلفائها».

وبدلا من أن ترخي إيران قبضتها، تضرب بها على الطاولة.

ثالثا، عاد كل من كلينتون والمبعوث الخاص جورج ميتشيل من رحلاتهما إلى الشرق الأوسط وهما على دراية بزيادة مخاوف العرب من النوايا الإيرانية. وبعد زيارة وزراء الخارجية العرب، قالت كلينتون إنها سمعت «مرارا وتكرارا» مخاوف كبرى من التهديد الإيراني. وربما يعتبر الزعماء العرب التواصل على مستويات عليا مع إيران خيانة أميركية. ونظرا للافتراضات التآمرية في الدبلوماسية العربية، سيفترضون أن أميركا تبرم صفقة سرية مع إيران، مما سيؤدي إلى عقدهم مثل تلك الصفقات بأنفسهم.

لذا تتبنى الإدارة اتجاه الزيادة التدريجية. وقد اقترحت كلينتون إقامة مؤتمر دولي حول أفغانستان قد يضم مسؤولين إيرانيين، مما يمنح فرصة لعقد اجتماعات وجها لوجه على هامش المؤتمر، مثلما دعت كونداليزا رايس إلى عقد مؤتمر دولي عن العراق ويضم مسؤولين إيرانيين، الذين اجتمعوا بها وجها لوجه على هامشه. وتولت كلينتون الاتصال بسورية، مثلما فعلت رايس مع سورية قبل مؤتمر أنابوليس للسلام عام 2007.

وبعيدا عن الاندفاع في قضية إيران، أرسلت الإدارة إشارات مختلطة حول شعورها بإلحاح الأمر. وتوصلت الهيئة الدولية للطاقة الذرية أخيرا إلى أن إيران لديها مخزون احتياطي كاف من اليورانيوم غير المخصب، وهي أصعب مرحلة في التخصيب، من أجل صنع سلاح نووي بعد فترة قصيرة من المزيد من التخصيب. ويقول رئيس هيئة الأركان الأدميرال مايكل مولين إنه يعتقد أن إيران «في طريقها لصنع أسلحة نووية». وفي الوقت ذاته، يؤكد وزير الدفاع روبرت غيتس: «إنهم لا يقتربون من صنع السلاح في هذه المرحلة»، ويصر على أن «العقبة» أمام اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران هو سؤال: «هل سنكون عرضة للهجوم هنا في وطننا؟»، وهو ما لا يساعد على مواساة إسرائيل أو أصدقاء أميركا من العرب.

وفي هذه المرحلة، تجمع الإدارة بين سياسة الحذر ورسالة الارتباك. ولكن، لا يبدو أنها قد تقنع أو تخوّف.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»