الرجل «الغامق» بسلامته!

TT

الآن وبعد هدوء «نشوة» وصول باراك أوباما للبيت الأبيض كأول رئيس من أصول أفريقية بات من الممكن التأمل المتمعن في بعض سياساته وقراراته بشكل موضوعي وبعيدا عن العواطف. باراك أوباما ورث تركة غير بسيطة مليئة بالمشاكل والكوارث سواء كان ذلك على الصعيد الأمني أو العسكري في العراق وأفغانستان واللتين لا تزالان تشهدان نزيف الدماء والدمار وسقوط الضحايا بشكل مفزع وعلى المستوى اليومي. وكذلك الملف الاقتصادي المتخم بالمشاكل والمصائب التي تسببت فيها إدارة سلفه الرئيس بوش وقراراته الساذجة في إدارة المسائل المالية وأدت إلى كارثة بحاجة لعقد كامل من الزمان لتجاوز آثارها، كما وصف ذلك الكثيرون من الخبراء والمحللين الاقتصاديين. واليوم تستضيف العاصمة البريطانية لندن لقاء مجموعة العشرين الاقتصادية وهو الاسم الجديد لأهم القوى الاقتصادية في العالم، وهي دول تنامي العدد من السبعة ثم إلى الثمانية ثم إلى الخمس عشرة حتى وصلت إلى العشرين، ويأتي هذا اللقاء بعد أن «استقرت» الأزمة المالية وانتشرت آثارها في كل دول العالم ولكافة القطاعات حتى لم تعد أي دولة أو قطاع لم يتأثر سلبا من جراء ما حدث، وطبعا بات التدخل الحكومي بخطط الإنقاذ المالي المختلفة أمرا معتادا، فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان جميعهم قاموا بتقديم مبالغ هائلة لتضخ في الشركات المتعثرة بمختلف أنشطتها سواء كانت مالية أو خدمية أو صناعية أو عقارية، ولكن مع ذلك حتى الآن لم تحدث «النقلة» النفسية المطلوبة لطمأنة المستثمرين بأن طريق العودة للرخاء بات ممهدا وقابلا للتحقيق.

الدول العشرون مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعضها بعضا والكل يحتاج بعضه بعضا. أسواق بحاجة لمنتجات، منتجات بحاجة لتصريف، أموال بحاجة لقنوات استثمار، منافذ استثمارية وفرص بحاجة لمال يرعاها ويدعمها هذا هو باختصار وضع مجموعة العشرين، وبالتالي هناك حساسيات مفرطة تجاه أي سياسات «متشنجة» أحادية وفردية تستحدث من قبل طرف على حساب الآخرين، ولعل المقصود هناك هو «الغول» المرعب الأول للاقتصاد العالمي وتحديدا المقصود هنا هو ارتفاع وتيرة الحديث عن «الحماية التجارية» أو بمعنى آخر اعتماد الدول على شراء وبيع المنتجات المصنعة بها فقط، وتقود هذه الحملة الولايات المتحدة الأمريكية وقيل ذلك بوضوح على لسان رئيسها باراك أوباما، مما أثار فزعا وهلعا في الأوساط الأوروبية، وتحديدا قامت المستشارة الألمانية ميركيل بإبداء تخوفها من هذا الاتجاه وقامت أيضا «بالتحذير» من مخاطر هذا التوجه والأضرار الممكنة على الاقتصاد العالمي.

البنك الدولي دق ناقوس خطر أهم وأعلى صوتا حين وضح مؤخرا أنه منذ اجتماع مجموعة العشرين الأخيرة قامت 17 دولة من العشرين بتحديد وإغلاق وتقليص التجارة الدولية فيها بصورة مختلفة وكلها لأجل تفضيل البضاعة والمنتجات المحلية. هناك طلب ملح نحو «منع» الرسوم المضافة على المنتجات المستوردة والتي بدأت نغمتها في ازدياد لأن هذه الإجراءات ستكون بمثابة رصاصات الرحمة على جثمان التجارة الحرة ومنظمة التجارة الدولية التي كانت بوق العولمة الأول. وهناك قلق متزايد على «طبيعة» الدور المطلوب من صندوق النقد الدولي وأهمية زيادة رأس ماله حتى تكون له المقدرة على دعم المصارف المركزية ودعم صرفها على اقتصادياتها، وهذا القلق يجيء لأن صندوق النقد الدولي هو جهاز غير شفاف ولا تحسب مقدما أساليب وجهات الصرف فيه، مع عدم إغفال أن هناك دولا أكثر من غيرها ستتحمل عبء فاتورة رفع قدرة صندوق النقد الدولي وهذه مسألة غير عادلة. باراك أوباما مطالب أكثر من أي وقت مضى بإظهار قيادة «دولية» وليس نظرة محلية ضيقة، وعلى أمريكا برئيسها تحمل تبعات ما سببته سياسات بوش الجاهلة، ومد يد العون عالميا وسيلقى هذا التوجه الدعم والتأييد.