تداعيات تقليص الإعفاء الضريبي على التبرعات الخيرية

TT

من شأن المقترح الذي تقدم به الرئيس أوباما للحد من الإعفاء الضريبي المفروض على الإسهامات الخيرية تحويل ما يزيد على 7 مليارات دولار سنوياً من المؤسسات الخيرية على مستوى البلاد لصالح الحكومة الفيدرالية، بيد أن دافعي الضرائب من ذوي الدخول المرتفعة من المحتمل أن يعمدوا إلى تقليص تبرعاتهم الخيرية بقدر مكافئ للزيادة المفروضة على الضرائب التي يدفعونها. وتتجلى المفارقة في أن هذا الأمر ربما يترك النسبة المتبقية من دخولهم واستهلاكهم الشخصي دون تغيير.

من الناحية الفعلية، سيتمثل التغيير في فرض ضريبة على المؤسسات الخيرية، مما سيحد من الأموال التي تتلقاها بمقدار دولار واحد مقابل كل دولار إضافي تجمعه الحكومة. ومن المتعذر إيجاد مبرر منطقي لفرض ضرائب على المدارس والمستشفيات والميزانيات المخصصة للأبحاث الطبية والمنظمات الفنية على هذا النحو. وأعتقد أن مسؤولي الإدارة الذين صاغوا هذا المقترح لم يتفهموا هذا التأثير السلبي الذي سيخلفه.

من المفترض أن يتم تطبيق التغيير الضريبي المقترح على الزوج والزوجة اللذين يتجاوز دخلهما 250.000 دولار (والأفراد غير المتزوجين الذين تزيد دخولهم على 200.000 دولار). وطبقاً للقانون الحالي، يحق لهذه الفئة من المتزوجين خصم قيمة تبرعاتهم الخيرية من الدخل الخاضع للضريبة. وفي الوقت الذي لا نجد أحداً يقدم على تقديم تبرعات خيرية، بهدف الحصول على خصم ضريبي، فإن إعفاء الأموال الموجهة إلى الأعمال الخيرية من الضرائب يقلص تكلفة التبرع، وبالتالي يزيد من قيمة الإسهامات التي يقدمها الأفراد.

على سبيل المثال، قد يقوم شخص من أصحاب الدخول المرتفعة بتسديد ضرائب تبعاً لمعدل حدي يبلغ 35% بخفض الفاتورة الضريبية التي يسددها بمقدار 35 سنتاً لكل دولار يتبرع به لمنظمة خيرية. ويصل إجمالي التكلفة بالنسبة للفرد 65 سنتاً عن كل دولار تحصل عليه منظمة خيرية. وتوصلت العديد من الأبحاث الاقتصادية إلى أن، في المتوسط، كل خصم بنسبة 10% في تكلفة التبرع، يرفع قيمة ما يتبرع به الفرد بحوالي 10%. وعليه، فإن نسبة الخصم البالغة 35% المتضمنة في قواعد الإعفاء الضريبي الحالية ترفع قيمة الإسهامات في المنظمات الخيرية بنسبة 35% تقريباً.

ومن شأن الخطة التي تقترحها الإدارة الحد من حجم الأموال التي يمكن لذوي الدخول المرتفعة خصمها من دخولهم الخاضعة للضريبة، لتصبح 28% من إجمالي تبرعاتهم، بدلاً من 35%، رغم أن دخولهم ستبقى خاضعة للضرائب، تبعاً لمعدل حدي أعلى. ومن شأن ذلك رفع تكلفة كل دولار يتم التبرع به من 65 سنتاً إلى 72 سنتاً، وهي زيادة تعادل 10.8% يمكن أن تتسبب في تقليص إجمالي تبرعات مثل هؤلاء الأفراد بنسبة تقارب 10%.

ما هي مدلولات ذلك على الصعيد العملي؟. لنفترض أن شخصاً ما سيتبرع بـ 10000 دولار لإحدى الجامعات، إذا كان هذا المبلغ يمكن إعفاؤه من الضرائب بمعدل 35%. وسيقلص هذا الخصم الفاتورة الضريبية لهذا الشخص بمقدار 3500 دولار. ومن شأن تقليص الخصم الضريبي إلى 28% الحد من الوفر الضريبي لهذا الشخص على مبلغ الـ 10000 دولار المتبرع به إلى 2800 دولار.

هنا تحديداً تتخذ الأمور الالأمور مور منحى مثيرا.. فإذا دفعت الزيادة البالغة 10% في تكاليف التبرع الشخص لتقليص تبرعاته بنسبة 10%، لتصبح 9000 دولار، فإن الوفر الضريبي الذي يحققه سيكافئ 28% من الـ 9000 دولار، أي 2520 دولارا. وستتراجع خسارة العائدات الحكومية بمقدار 980 دولارا (من 3500 دولار إلى 2520 دولارا). والملاحظ أن قيمة تبرعات الشخص للجامعة بمقدار 1000 دولار، أي ما يكافئ الكمية ذاتها. ونظراً إلى أن الشخص ذي الدخل المرتفع سيدفع 980 دولاراً إضافية كضرائب، بينما سيقلص تبرعه بمقدار 1000 دولار، سينتهي الحال بحصوله على 20 دولاراً إضافية لاستهلاكه الشخصي.

ورغم أن ذلك لا يعدو كونه مثالاً افتراضياً، فإن الاستجابة المرتبطة بالتبرعات والعائدات الضريبية تعكس الأدلة المتعلقة بكيفية استجابة الأفراد للتغييرات التي تطرأ على المعدلات الضريبية. يذكر أن اللجنة الضريبية المشتركة التابعة للكونغرس قدرت عام 2007 أن الخصومات الضريبية بالنسبة لمن تتجاوز دخولهم 200.000 دولار قلصت العائدات الحكومية بمقدار 23 مليار دولار تقريباً. ولو كانت نسبة الـ 28% تم تطبيقها العام الماضي، لكان مبلغ الـ 23 مليار دولار تقلص بمقدار ما يقرب من 6.5 مليار دولار، وكانت التبرعات الخيرية ستتراجع بقدر مكافئ تقريباً.

وبحلول عام 2011، العام الذي تقترح إدارة أوباما الشروع في تنفيذ القواعد الضريبية الجديدة، سيتجاوز حجم الانخفاض المتوقع في التبرعات الخيرية 7 مليارات دولار. ومع التراجع الحاد في الأوقاف المرتبطة بالمؤسسات الخيرية، من جراء انحسار أسعار الأسهم، فإن هذه الخسارة في التبرعات ستزيد من تفاقم موقف سيئ بالفعل.

في الواقع، من الضروري تغيير الكثير من المقترحات الضريبية التي تتضمنها الميزانية التي اقترحها أوباما، من أجل تحفيز جهود استعادة جانب الطلب عافيته على المدى القصير، وتعزيز الحوافز طويلة الأجل الخاصة بالإنتاجية والنمو. أما الضريبة المقترحة على الإسهامات الخيرية، فتؤثر بالسلب على دعائم مجتمعنا القائم على التعدد. وعلى الإدارة أن تدرك خطأها؛ وتتراجع عن هذا المقترح.

*بروفسير الاقتصاد في جامعة هارفارد.. ورئيس شرفي للمكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ («الشرق الأوسط»)