عبد الحليم حافظ.. وصافيني مرة!

TT

وفي أول حياة عبد الحليم حافظ الفنية. كان يتردد علينا في (أخبار اليوم) لعلنا ننشر عنه خبرا أو صورة. وكان يتحمل أنواعا من السخافة والرذالة من بينها أننا لا نكاد نرى عبد الحليم حافظ حتى نغلق الأبواب. ولا نطلب منه أن يغني: صافيني مرة. ويا أبو قلب خالي.. أبدا نحن الذين نغني وهو الذي يستمع. وكنا أشهر منه في ذلك الوقت. وكنا ثلاثة: اثنان يغنيان لأم كلثوم وأنا أغني لمحمد عبد الوهاب. وكنت أغني قبل ذلك في الحفلات المدرسية. وفي أسرتنا عدد كبير من ذوي الأصوات الغنائية: أبي وخالي وخالتي. وأبي يغني لسيد درويش وكان يرتل القرآن أيضا. وكنت أغني وأنا طفل. وأتذكر أنني كنت أقف في البلكونة وزملائي الأطفال يقفون تحتها يسمعون. ولا أعرف من أين أتيت بهذه التركيبة. ولماذا لا أغني بينهم. شيء غريب. أن أغني فوق والمستمعون تحت.

وكانت البنات في الحقول يغنين. وكنت أطلب من والدي أن يسمح للبنت (زهرة) أن تغني لي. وكانت تجيء وتغني هي وأنا أستمع لها من فوق.. صورة غريبة. ولكن هذا ما حدث ولا أعرف لماذا..

أما خالي فكانت في صوته (بحة) جميلة وكذلك خالتي.. ولا أعتقد أنني رأيت أجمل منها في أي بلد رأيته. وكانت إذا غنت تنزل من عينيها الدموع..

وكانت تغني لعبد الوهاب. فهو الأستاذ والمدرسة والمثل الأعلى الذي كان أمامنا وحلمنا في كل الحياة نموذج للفنان المحترم المبدع الذي يحب فنه ويحترم نفسه ويري أنه سيد القوم. وأنه حريص على هذا المكان الرفيع. وظل كذلك حتى أغنية (من غير ليه) التي لحنها ليغنيها عبد الحليم حافظ. ولكنه هو الذي غناها بصوته.. وأنا لم أسمع هذه الأغنية ولكن الأمير بدر بن عبد العزيز صديق محمد عبد الوهاب يحتفظ بهذه الأغنية.. وأخيرا غناها عبد الوهاب كانت بصوته ثم ركب عليها الموسيقى.

والذين يعرفون عبد الحليم أكثر وأعمق يقولون إنه كان يتمنى أن يغنيها.. ولكن سبقه الموت فأصبح الممكن مستحيلا!