العشرون الكبار.. الرقابة والإصلاح

TT

أكثر ما يلفت النظر في البيان الختامي لقادة دول قمة العشرين في لندن هو تكرار كلمة الرقابة، وإعادة الهيكلة. وهذا يعني أن الأزمة المالية التي تعصف بالعالم هي نتيجة سوء رقابة، وغياب التنظيمات.

مما أدى إلى خسائر مالية هائلة، عرفنا من أسبابها القليل ما بين اختلاسات بالمليارات، وسوء إدارة بخرت أموال دول ومؤسسات بشكل غير مسبوق، حيث سقط مفهوم نظرية المراقبة الذاتية، وأن الأسواق تصحح نفسها.

ورغم التفاؤل الذي عم الأسواق والمتابعين بعد قمة العشرين التاريخية في لندن، فما زلنا لا نعلم هل وصلنا إلى قاع الأزمة أم لا، خصوصا وأن هناك قطاعات مالية أخرى مرشحة للانهيار، بل من الغريب أنها لم تنهر، وأبسط مثال قطاع بطاقات الائتمان.

ومع كثرة تردد كلمة رقابة، وكذلك إعادة هيكلة، والتي تعني الإصلاح بالطبع، في بيان قمة العشرين، فإن السؤال هنا هو إذا كانت الرقابة والإصلاح ينطبقان على المال، فماذا عن السياسة؟ بل وما دخلها في هذا الأمر؟

وهنا لب الحديث، فقد أقرت قمة العشرين نحو تريليون دولار لدعم التمويل التجاري، والمساعدة بالاستقرار واستعادة الائتمان والتنمية. ودعونا نتخيل من هي أول الدول التي ستبادر لطرق باب صندوق النقد الدولي لطلب المساعدة، والحديث بالطبع عن الدول التي تهمنا؟

الإجابة هي: باكستان، وهنا يصبح السؤال: هل المطلوب من المجتمع الدولي، أو الدول المانحة، أن تعمل على إنهاء الأزمة في باكستان، أم أن دورها هو تمويلها لتصبح المساعدة مجرد عملية استنزاف؟

فمع ضرورة الدعم المالي، سواء لاقتصاديات دول متعثرة، أو لمناطق الأزمات، فلا بد أن يكون هناك جهد سياسي حقيقي لإنهاء الصراعات والأزمات، أو الحد منها، فما نراه اليوم هو مجرد عملية تمويل للأزمات.

فهل يعقل في الصراع العربي الإسرائيلي أن تدمر وتحرق إسرائيل الأخضر واليابس ويهرع الجميع لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل كل عامين، أو ثلاثة؟ ومن ناحيتنا فهل يعقل أن تأتي جماعات أو أفراد ليغامروا بأمننا ويقحمونا في حروب، ثم يصيحوا أنقذونا؟

ونقوم بتمويلهم دون مناقشة أو حساب، إما تحت وطأة الابتزاز، أو من باب المماحكة بعضنا لبعض، وكل ذلك على حساب من يستحقون حقيقة التمويل، إما للبحث عن تعليم أفضل، أو من أجل فرص عمل!

الاستقرار السياسي من أهم أسباب الازدهار الاقتصادي والتنمية المستدامة، وعليه فبدلا من توفير الأموال لتمويل حل الأزمات، لا بد من حلول سياسية تجعل الأموال والمساعدات عاملا لإنهاء النزاعات وحلها.

وخير مثال هنا باكستان، فلا يعقل أن تقدم المعونات في ظل استمرار التوتر السياسي، الناتج عن قصور رؤية، ومماحكات سياسية، مع تفشٍ للفساد يضرب أطناب الدولة الباكستانية.

ملخص القول أنه لا بد من وجود جهود سياسية حقيقية لإنهاء النزاعات، بدلا من تمويلها في عملية استنزاف للأموال لا تقل خطورة وسوءا عن ما فعلته بنا الأزمة المالية الناتجة عن خلل واضح في سوء الإدارة والرقابة.

[email protected]