المتطرفون العرب يغزون إندونيسيا

TT

في دراسة شاملة وجهت الاتهامات إلى منظمات وأفراد عرب بأنهم يسعون للهيمنة على التفكير الإندونيسي وتحويله من مجتمع عرف بالتسامح إلى آخر متشدد دينيا ومتطرف سياسيا. قالت إن انتشار المتطرفين عمل منظم، وشامل، ويتعمد اختراق أوجه الحياة الإندونيسية المختلفة.

قرعت الدراسة أجراس الخطر في مكاتب الحكومة الإندونيسية مقترحة أن عليهم أن يواجهوا أزمة في حالة ولادة من جراء تغلغل هذه الجماعات. الحقيقة أن إندونيسيا التي هي أكبر الدول الإسلامية سكانيا، عرفت دائما بأنها أم الجمعيات والمنظمات والمدارس الإسلامية، لكنها عرفت أيضا بأنها تختلف في تفكيرها وتوجهاتها عن الجمعيات الإسلامية في العالم العربي. عرفت بالتسامح دائما حتى سنوات قريبة، عندما ظهرت فرق متطرفة ضمن حالة حراك سياسي ارتبط أساسا بانتشار فكر تنظيم القاعدة الداعي إلى الثورة على الوضع السياسي القائم. في البداية كان العنف في إندونيسيا ينسب فقط لجماعات شرق أوسطية، وتحديدا تنظيم القاعدة، حتى اتضح أن العديد من النشطين في تلك التنظيمات هم محليون، وأشهر رموزهم أبو بكر باعشير. مع هذا ظل باعشير وجماعته يمثلون فريقا صغيرا داخل المجتمع المسلم الإندونيسي. وقد وصفت إندونيسيا حينها بأنها قلعة محصنة بالاعتدال ويستحيل على المتطرفين اختراقها، لكن يبدو أن الحالة تشابه ما أصاب الجالية الآسيوية في بريطانيا. فالجالية ذات الجذور الهندية الباكستانية المسلمة في المملكة المتحدة اشتهرت هي الأخرى بأنها أكثر الفئات تسامحا وسلاما حتى تغلغل داخلها الفكر المتطرف، واليوم تعتبر مصدر الخطر الأول في بريطانيا.

وإذا كان رئيس الجماعة المحمدية، ثاني أكبر التنظيمات الإسلامية في إندونيسيا، يعزي جزءا من المشكلة إلى الضغوط السياسية الخارجية، وتحديدا من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط التي تنقل صراعاتها إلى الساحة الإندونيسية، فإنه في الوقت نفسه واثق بأن الإيمان الإندونيسي المبني على تدريس الوسطية، وواثق بأن التجربة المحلية الطويلة، قادرة على مواجهة المتطرفين. وهذه البلاد الكبيرة ليست جديدة على المؤسسات والمدارس الإسلامية المنتشرة بين سكانها المائتين والثلاثين مليون نسمة، فجمعياتها وتنظيماتها قديمة العهد إلا أنها عرفت دائما بأنها مصدر تعليم التسامح وإسلام الوسطية، وعمر جمعية نهضة العلماء أكثر من 35 عاما وأتباعها أكثر من سكان دول الخليج مجتمعة.

الدراسة الأخيرة تقول إن التأثيرات القادمة من دول الخليج ومصر تمثل المشكلة الأخيرة. وقد يكون صحيحا أن الفكر المتطرف المنتشر في العالم العربي مصدر المشاكل اليوم في معظم أنحاء العالم الإسلامي إلا أن تحميله المسؤولية يعبر عن تفكير يتهرب من المسؤولية، فالتطرف صار حالة عامة، الناقل له أولا هي وسائل التواصل من تقنية حديثة منتشرة في أوساط الشباب مثل الانترنت، فهل نقول إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن نشر التطرف الإسلامي لأن على أرضها شبكة الانترنت العالمية؟ الفكر المتطرف أزمة كل الدول الإسلامية واللجوء إلى اتهام فريق واحد بأنه المصدر، لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة تبرر انتشاره بدل محاربته.

[email protected]