هل يمكن تحقيق النجاح في أفغانستان؟

TT

يمكن أخذ تجربة العراق الناجحة في مجابهة تنظيم القاعدة، قياساً نسبياً لحالات مشابهة في مناطق أخرى، بما في ذلك أفغانستان وباكستان، برغم الاختلافات الكبيرة في الجوانب السياسية والنفسية والاجتماعية بين الحالتين، العراقية والأفغانية. فالأرض العراقية التي قاتلت عليها القاعدة، مفتوحة، والمجتمع حضري، بعيد عن التعصب القبلي والديني، ولا وجود لمدارس دينية، وطموحات الحياة قائمة، بحكم الثروة التي يمتلكها العراق، وتوافر قدرة كبيرة لتشكيل قوات مسلحة، بالاستفادة من أموال النفط، ووجود خبرات عسكرية كبيرة، ومتطوعين سبق أن خدموا في القوات المسلحة.

عناصر القوة العراقية للتغلب على تنظيم القاعدة، يحتاج تكوينها على الساحة الأفغانية وقتاً طويلا وأموالا كثيرة، تتعدى المبالغ المخصصة حالياً، فيما الحال أسهل على الطرف الباكستاني، لتوافر قوات مسلحة كبيرة. وخلافاً للعراق، الذي كان دخول القاعدة إليه طارئاً وغريباً، يعتبر وجود القاعدة وطالبان متجذراً وعميقاً على الساحتين الأفغانية الباكستانية.

تعتمد خطة أوباما على تحميل حكومتي باكستان وأفغانستان مسؤولية المجابهة المباشرة مع الحركتين، مقابل تقديم دعم مالي، ودعم بناء القوات المسلحة الأفغانية، وتعزيز عدد قوات التحالف القتالية، والعمل على تخصيص وحدة تحالف للعمل مع كل وحدة أفغانية. وهو أسلوب حقق نجاحاً قتالياً وتدريبياً كبيراً في العراق، ويمكن أن يحقق نجاحاً مماثلا في أفغانستان. أما قوات باكستان فلا تحتاج إلى هذا الأسلوب، لأنها مدربة تدريباً جيداً ومعنوياتها مرتفعة.

حددت الخطة، بلوغ القوات الأفغانية عام 2011 رقم (216000) جندي وشرطي، وهو عدد متواضع، إذا ما قيس بدرجة التهديد وسعة الأراضي وطبيعتها الوعرة. خصوصاً، عندما يشمل العدد المؤسسات الإدارية والتدريبية..، فيما يبلغ عدد القوات العراقية حالياً، أكثر من (750000) جندي وشرطي، عدا قوات الحراسة..

ويركز التوجه الأميركي الجديد على الفصل بين المفاصل القيادية والتنفيذية، ويتيح المجال للتعاطي الإيجابي مع كوادر متوسطة، وربما أرفع موقعاً، ممن لديهم الاستعداد للاندماج في النظام الجديد، والتصدي للقاعدة وطالبان. وينطبق هذا التوجه عملياً على مفاصل طالبان، أكثر مما ينطبق على القاعدة، التي تتعدى ساحة قتالها الرقعة الجغرافية الباكستانية الأفغانية.

ويلزم التوجه الأميركي المخابرات العسكرية الباكستانية بوقف ما وصف بالتعاون مع حركة طالبان، مقابل مليار ونصف المليار دولار سنوياً، يمتد لخمس سنوات، لتأهيل الطرق وإنشاء المدارس..، وهو مبلغ قليل مقارنة بما صُرف في العراق، إذا ما قيس على أساس ضعف الموارد الباكستانية، والحاجة إلى تجهيز مسرح العمليات المجاور لأفغانستان.

وتبدو الخطة الأميركية قابلة للنجاح التدريجي، ولو كان بطيئاً، لأن من المستحيل توقع حصول اختراقات سريعة لتحقيق الغرض، أو توقع حصول انهيارات على شاكلة انهيار القاعدة في العراق. ويتطلب النجاح حزمة كبيرة من الإجراءات، تبدأ بإصدار عفو عام عن كل المسلحين الذين يسلمون أسلحتهم ويرغبون في الاندماج في المجتمع الجديد. وتقديم عون مالي للعائدين على شكل ضمان اجتماعي، أو توفير فرص عمل، حتى لو كانت بطالة مقنعة.

وتتطلب الخطة إلزام الحكومة الأفغانية بالقضاء على الفساد، والانفتاح الواسع على شريحة البشتون، التي ترتكز عليها حركة طالبان، وإدخالها في أوسع نطاق من مؤسسات الدولة، وليس التعامل معها على أنها من أتباع النظام السابق. وتشديد الضغط العسكري على بؤر التشدد التي ترفض التعاون مع الخطط، وأن يكون ذلك على أساس تكثيف جهد الاستخبارات والتعاون مع القبائل.

ولا تقل الحال الباكستانية تعقيداً. وأول الضرورات أن تدرك الاستخبارات العسكرية أن حسم الحرب مع حركة طالبان والقاعدة بات مطلباً دولياً ملحاً، وحاسماً لأمن باكستان، وأن ما يقوم به الغرب يعتبر خطة إنقاذ حقيقية لباكستان، تجنبها الدخول في فوضى تؤدي بها إلى الانهيار.

ولا بد أن تبرهن أجهزة الاستخبارات الباكستانية أنها ليست في وارد تعريض أمن الهند للخطر. لأن أمن الهند النووية ضروري لأمن باكستان والعالم. ويمكن أن تستخدم هذه الأجهزة علاقاتها مع طالبان لدفعها إلى الانخراط بالنظام الجديد كلاً أم جزءاً، عدا من لا يمكن التعامل معه، أو العمل على تفكيك الحركة، استناداً إلى ما لديها من معلومات عنها، ومن خلالها القاعدة، تفوق ما لدى أي جهاز آخر.

ومع أن التطور المعيشي للفرد الباكستاني، خصوصا في منطقة القبائل المجاورة لأفغانستان، يعد مسألة مهمة جداً، فإن معالجة المدارس الدينية، تتطلب جهوداً كبيرة وجريئة، وموازنات دقيقة، لوقف التحريض على العنف، وإلا فإن غياب الرقابة على المدارس الدينية، يترك بعضها مركزاً لتخريج الانتحاريين وغيرهم من قوى العنف.

من الآن، يمكن للمتابعين للشأن الباكستاني والأفغاني التفاؤل بنجاح خطط إعادة الاستقرار والأمن إلى هذين البلدين، برغم حاجتها لوقت طويل نسبياً، فالمهم البدء على طريق صحيح.

النجاح في أفغانستان مهم جداً ومفتاح النصر على قوى العنف والإرهاب، على أن لا يسمح للقاعدة بالتحول إلى مناطق أخرى من المنطقة، لتكوين ملاذات آمنة لها. وهناك منطقتان تتجه أنظار القاعدة إليهما، هما: اليمن، لأسباب جغرافية تتعلق بوجود أراض وعرة واسعة، فضلا عن المجتمع القبلي ووجود تمرد مسند بجهد خارجي، وله استعداد للتعاون مع القاعدة وفقاً للاعترافات الأخيرة. مما يتطلب الاهتمام بأمن اليمن ومساعدة الدولة مالياً، لتأهيل شبكة الطرق إلى المناطق النائية، وتعزيز التنسيق الأمني مع الدولة.

أما البقعة الأخرى الخطيرة فهي السودان، التي تشير الدلائل إلى أن القاعدة بدأت العمل للدخول إليه، لذلك ينبغي معالجة ملف التوتر القائم بطريقة هادئة، بعيداً عن المواقف المتشنجة، لأن أي تطور سلبي في هذا المجال يمكن أن يقود إلى تشدد مقابل، أو إلى انفلات أمني، والحالتان تقدمان فرصة مثالية لتنظيم القاعدة، يصعب علاجها، لسعة الأراضي والصعوبات المعيشية، ووجود صراعات محلية.

وتبدو القاهرة مؤهلة للعب دور مؤثر في الملف السوداني، فيما يبقى تأثير الرياض قوياً على الساحات الأفغانية والباكستانية واليمنية.

[email protected]