على هامش قمة الدوحة.. «بين الصحافة والسياسة»

TT

ظهرت في برنامج حوار مفتوح في شبكة الجزيرة توظيفا لأحداث قمة الدوحة العربية في مناقشة دور الإعلام في السياسة، من منطلق «زعل» بعض الحكومات، وهل يساهم الإعلام في صنع السياسة؟.

زملائي اثنان من الصحفيين (رئيس تحرير لبناني، ورئيس تحرير صحيفة رسمية ليبية)؛ وكاتب سعودي.

هناك فارق بين «الكاتب»؛ و«الصحفي»؛ رغم ضرورتهما للصحافة بأنواعها الأربعة (يشمل الإنترنت).

الكاتب، سواء المتواجد أو المتعاقد معه أو من كلف بكتابة رأي في تخصصه أو يقدم وجهة نظر غير معتادة، نسميه مهنيا «كاتب العمود»؛ لا مقابل بالعربية من كلمة واحدة لـColumnist ، فالاسم يصير فعلا في الإنجليزية بديناميكيته. «ضحكة» بالإنجليزية laugh، تصبح الفعل بالحروف نفسها بعكس اللغة العربية.

الإنجليزية تضيف المقطع ism فيصبح الاسم آيدولوجية/ نظرية، ومقابله في العربية المقطع (ية) كالماركس(ية) من كارل ماركس، أو المقطع ist، فيصبح تابع النظرية ماركس ـ ي ـ ا(ماركسيا). تناقص مرونة اللغة الصحفية العربية ربما لتمسكها بلغة فصحي مكتوبة غير منطوقة في حياة الناس، بينما تجد المنطوقة مرنة في ابتكار كقول الخليجيين «يفنش» من الإنجليزية finish، وتعني نهاية وأيضا ينهي؛ والمصريون يقولون «تيكسيتلي» أي ابعث لي برسالة مكتوبة عبر التليفون الموبايل، من الإنجليزية text («نص مكتوب» أو «يكتب نصا») ويقولون عن صائغ الجواهر «جواهرجي»، ولا تسمح الفصحى بتسمية صائغ الكلمات «عامودي».

ولا أعرف: هل إذا كنت قد عملت يوما رئيسا لتحرير صحيفة عربية هل كنت سأنجح في ابتكار لغة عربية صحفية مرنة، أم تهزمني قيود فقهاء اللغة وحراسها الأشداء؟

أنا من مدرسة صحفية قديمة ترفض أي كلمة قد لا يفهمها ولو قارئ واحد.

وبخلاف الكاتب «الصحفي» يشمل عدة تخصصات «جامع المعلومات لصبها كخبر» reporter مطابقها في الصحافة المصرية «المخبر». كلمة لا تحبذها معظم الصحف العربية لارتباطها في ثقافتهم «بجاسوس» الأمن الحكومي. أما المراسل correspondent فمثله، لكنه يجمع الخبر خارج مقر الصحيفة.

والمراسل الأجنبي foreign correspondent لا تعني أنه من غير بلد الصحيفة، وإنما باعث الخبر من بلد آخر، كمراسل «الوطن» العمانية في بغداد، سواء كان عراقيا، أو عمانيا (والأخير حرفيا أفضل لأنه سينظر بعين القارئ العماني لما يشوقه).

كلمة Editor عندنا تعني رئيس التحرير، لكن لو قدمت رئيس تحرير عربي بهذه الصفة، سيشج رأسك لإسقاطك عبارة editor-in-chief «الرئاسية» رغم أنها في الثقافة الصحفية عالميا تشترط رئاسته «لكل» مطبوعات المؤسسة. بينما لا تعني sub-editor نائبه وإنما مدقق الأخبار (أوسع مهاما من المصحح في العربية، فهم ستة أو سبعة في كل ديسك كسلسلة، للتأكد من المعلومات التاريخية في الخبر بالرجوع للمكتبة، والهجاء الصحيح للأسماء الأجنبية واختيار عنوان شيق).

الإنجليزية تطول من وصف (بمستوى أقل من الرئيس) مرؤوسي رئيس التحريرnight editor المحرر الليلي، وهي أشق المهن بعد الـforeign editor رئيس القسم الخارجي، ومهامه توجيهية تختلف عن مهام محرر الأخبار الخارجية foreign-news-editor الذي يتصل بالمراسلين ليعد ما يملأ الصفحات الخارجية والتدرج ينطبق على الديسكات الأخرىhome…/ تعني شؤون الوطن؛ وهناك الرياضة؛ الاهتمام الإنساني features بينما المنوعات تسمي listing وهي تقليد أي تطوير لصفحة رصد برامج الفن والثقافة.

«الرأي» في المدرسة التقليدية (التلغراف، التايمز) op-ed واختصار كلمتي: opinion، الرأي، و editorial، «رأي الصحيفة»؛ يسميها الأمريكيون Comment تعليقا، كذلك المدرسة الحديثة الأوروبية الأنغلوساكسونية (كالغارديان والاندبندنت).

تسميات تقاليد قرون؛ محرر المال والأعمال city-editor ولغويا تبدو منفصلة وتعاد لـ city (ميل مربع وسط لندن الكبرى فيه بنك إنجلترا) تجري فيه أعمال المال.

البرنامج الحواري نبهني لاحتمال عودة مشاكل بعض الصحف العربية لحداثة العهد أو لتحويل الانقلابات العسكرية الثورية مسار التقاليد، فتحولت علاقات عامة لترويج فكر القائد الزعيم الملهم.

محرر أخبار الديسك دائم التنسيق مع فارزي الأخبار copy-tasters (حرفيا متذوق) لكل ما تظهره شاشة الكمبيوتر (وكنت في شبابي فرز قصصات ما تضخه ماكينات التيكرز وآلات التليكس وأوراق من غرفة متلقي الرسائل copy-takers، على يد «صبي الأخبار» copy-boy ثم يناولها لمتذوقي الأخبار ـ وكانت وظيفتي أثناء تدريبي الصحفي منذ 45 عاما في الديلي تلغراف، واختفاء الوظيفة بفضل الكومبيوتر أعلن وفاة أهم وأثرى تدريب في حياة الصحفي).

تفاصيل أدوات «ورشة الصحافة» الإنجليزية ضروري لشرح محاولاتي الاتجاه بحوار البرنامج بعيدا عن السياسة نحو المهنة؛ فقد تحول الحوار لاستعادة مبارزات الخلافات العربية على مستوى الصحفيين.

قلت إن الجلسة الافتتاحية للقمة لم يكن فيها خبر يجتذب قارئ الديلي تلغراف الإنجليزية حتى تكلم الكولونيل معمر القذافي ليقول إنه ملك ملوك أفريقيا وإمام للمسلمين...(وهجره الجلسة، بطريقة «قذافية» لزيارة متحف الفن الإسلامي)، لأن مداخلات الزعيم الليبي مسلية للقارئ الإنجليزي، مما أتاح لنا استخدام عنوان مثير وعبارة افتتاحية تجتذب قارئ التلغراف فيطالع بقية الخبر عن القمة العربية وسياساتها.

احتج رئيس التحرير الليبي بشدة لاستخدامي كلمة «مسلية» لأنها (في رأيه) تقلل من شان زعيمه «الأممي صاحب المكانة التاريخية والقيادة المسؤولة.. إلخ». وبذلت الجهد لشرح أن كلمة «مسلية» لها إيقاع إيجابي في ثقافتي الإعلامية الإنجليزية، حيث تعمدت تحليل مسلسل تحول «الحدث» إلى «خبر» فقط عندما يدخل دائرة اهتمام القارئ أو المستمع. قصدت بـ«مسلية» interesting في هذا السياق. وذكرت أن مضمون عبارة همس بها الكولونيل القذافي لا يمكن أن تصبح خبرا مهما كانت قيمة مضمونها إذ لم يسمعها متلقٍ آخر بوضوح. وربما تصبح خبرا بعد سنوات على يد مؤرخ أو صحفي يلتقيه بعد تقاعده (كلقاء الصحفي دافيد فروست بالرئيس الراحل ريتشارد نيكسون بعد تقاعده واعتراف الأخير بدوره في ووترغيت، فأصبحت خبرا بعد أعوام).

وأوضحت عبثية مقولة صنع الصحافة للسياسة، لأن الخبر، هو إخبار الناس بالحدث، ولا يمكن أن تخرج بنشرة أخبار تقول «نتمنى» أو «يجب» أن يحدث «كذا»؛ ربما يقترح كاتب عمود اتباع سياسة معينة لحل مشكلة، وهذا رأي وليس بخبر.

وأضفت بأن الصحافة «سلعة» إذا تدنت جودتها عن مستوى جذب «المستهلك» (قارئ/مستمع/مشاهد) فإنها تواجه الإفلاس.

وكان رد الزميل الليبي على المداخلتين تلخيصه لدور الإعلام بترويج إنجازات الإصلاح السياسي للقادة الملهمين للقراء وحمايتهم من أكاذيب الإعلام الغربي!