عندما أصيبت قدمي العزيزة

TT

فيما كنت أمارس رياضتي اليومية المعتادة، بالغت بالحماسة من شدة الطرب على سماع الموسيقى والأغاني، وزودت العيار (حبتين)، وإذا بقدمي تلتوي بشده وأسقط على الأرض متأوهاً مثلما يتأوه الملاكم عندما يسقط بالضربة القاضية، وجزمت أن عظامي قد تكسّرت، حاولت أن أقف غير أن الآلام المبرحة أجبرتني على الانسداح كأي طفل عاجز صغير.

وأخذت أنادي على من بالبيت ليسعفوني دون أن أتلقى جواباً، وتحول النداء إلى صياح وصراخ، ولكن انطبق عليّ بيت الشعر القائل: لقد أسمعت لو ناديت حياً / ولكن لا حياة لمن تنادي.

حاولت أن أزحف وأصل إلى الرف العالي لأغلق ذلك المسجل اللعين الذي يصدح بالموسيقى الراقصة العالية التي حجبت نداءاتي ولكن دون جدوى.

وأصبح سماعي لتلك الأغاني عذاباً زاد آلامي آلاماً أكثر، وتناولت علبة مناديل (كلينكس) وقذفتها على المسجل لأسقطه علّه يصمت ويخرس، ولكنني للأسف أخطأته مثلما أخطأ الزيدي بوش، ولم يخطر على بالي وأنا على هذه الحالة المزرية غير المسدس لأصوبه على ذلك المسجل وأحطمه.

وتوالت الأغاني التي تعيد حالها (أتوماتيكياً)، ونذرت نذراً إن أخرجني الله سالماً من هذه الغرفة، فأول ما سوف أفعله أن أقذف بهذا المسجل من على سطح بيتي، وأن أضرب عن سماع الموسيقى والأغاني لمدة عام كامل - خصوصاً بعض أغاني المطربات (المائعات).

وبينما كنت أتخبط على هذه الحال لأكثر من ساعة، وإذا (بالشغّالة) التي في بيتي تفتح الباب، وقبل أن أناديها وإذا بها تغلق الباب مرّة أخرى وبسرعة، وأخذت الشتائم تتوالى على ملافظي، ولم أوفر أحداً في هذا العالم، ابتداءً من السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة، مروراً بمنظمة حقوق الإنسان، وانتهاء بالشغّالة التي أعطتني بريق الأمل ثم أغلقته بوجهي دفعة واحدة.

وبعد نصف ساعة وإذا بها هي نفسها تأتي وتفتح الباب بهدوء وعلى استحياء فوجدتني (أرغي وأزبد) فتيقنت أنني في وضع حرج وغير طبيعي، وبدلا من أن تساعدني على النهوض، رفعت جعيرتها بالصياح الحياني، معتقدة فيما تظن أنني أحتضر، وأخذت تولول هاربة.

تقاطر على صياحها أهل البيت ليحملوني، فأشرت لهم باضطراب على المسجل اللعين آمرهم أن يقذفوا به من على السطح وذلك تحقيقاً لنذري، وعندما سمعوا طلبي الغريب هذا اعتقدوا أن عقلي قد أصيب بلوثة، أطفأوا الموسيقى والأغاني، وأخذوا (يبسْملون ويحوقلون) عليّ وأنا بين الحياة والموت لا من شدة الألم ولكن من شدة الغضب على الشّغالة، التي عرفت منها فيما بعد أنها عندما فتحت عليّ الباب ثم أغلقته في المرّة الأولى، فقد اعتقدت المسكينة أنني كنت منسجماً مع الأغاني وأمارس ألعاباً أرضية على بطني خصوصاً عندما شاهدتني منطرحاً، ولكي لا تقطع عليّ انسجامي تركتني حتى آخذ راحتي على الآخر.

لا أطيل عليكم، نقلوني إلى المستشفى وطوال الطريق كنت رافعاً قدمي المعطوبة إلى الأعلى حتى وصلتْ إلى سقف السيارة، وعندما أتاني الطبيب يسألني عن مصابي قلت له: رجلي، رجلي يا دكتور مكسورة، وبعد الفحص عليها اتضح أنه مجرد التواء، ولي الآن أكثر من أسبوع وأنا أتوكأ على عصا من الخيزران.

طبعاً الموضوع لا يهمكم لا من قريب أو بعيد، ولكنني أردت فقط أن أشرككم ببعض آلامي، وأقول لكم: إن الإنسان عندما يصاب ويتألم تأتيه قناعه أن العالم كله (سخيف) إذا لم يتجاوب مع آلامه، فكم في هذا العالم البخيل من متألم لا يدري به أحد (!!)، وأولهم أنا.

[email protected]