السعودية تدخل كأس العالم!

TT

ليس هذا عنوانا لخبر رياضي، وإنما تحليل للدور السعودي الجديد بدخول المملكة العربية السعودية «مجلس إدارة العالم» وأعني به بلغة الاقتصاد مجموعة العشرين التي تجمع الدول الصناعية الكبرى مع أكبر اقتصادات الدول النامية المتمثلة في الهند والصين والبرازيل والأرجنتين والسعودية. كما أنه محاولة لفهم ما حدث في أول لقاء بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما. والحديث هنا مبني على معلومات مؤكدة لا مجرد تخمينات وتسريبات.

بداية، لا بد أن ندرك في العالم العربي أن العالم لن يأخذ قضايانا، بما فيها فلسطين، مأخذ الجد إلا إذا شاركنا العالم قضاياه وهمومه. ودخول السعودية في نقاش جاد مع الدول الكبرى فيما يخص الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم وتقلق المجتمعات والقادة والمفكرين هي البداية الصحيحة للعرب للفت الأنظار إلى قضاياهم السياسية من مدخل الاقتصاد. العالم يهتم بالذين يشاركونه قضاياه فيشاركهم قضاياهم «شيلني واشيلك»، أما أن نتبنى اللطم والبكاء خارج مبنى الأمم المتحدة وأمام المنظمات الدولية فلن يؤدي ذلك إلى شيء. نحن قوم نطالب العالم بأن يتظاهر من أجل قضايانا وحروبنا، ونحن لا نتظاهر مع أحد. هل سمعتم بمظاهرة في أي مدينة عربية تخص قضية شعب آخر أو مجموعة أخرى من البشر من غير العرب والمسلمين؟

أذكر أنني كنت أشارك في مظاهرات السود وأنا طالب في الجامعة في الولايات المتحدة، وكنت أدعو زملائي العرب أن يسيروا في تلك المظاهرات المناهضة للعنصرية ضد السود، لكنهم كانوا يرفضون بدعوى أن هذه القضايا ليست تخصهم، وأن لديهم من الهموم التي تخص قضاياهم ما يكفي. ومرة عاتبت أحد النشطاء المدافعين عن حقوق السود عن عدم مشاركتهم في المظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني والتي كانت تنظم في الولايات المتحدة، فأجابني «قل لي كم عربيا سار معنا؟» وبالفعل كان الرجل محقا في إجابته. ويبدو هنا مناسب أن نتذكر ما قاله الرئيس الأميركي ترومان عندما طلب منه اتخاذ موقف مناصر للعرب، فقال «العرب لن ينتخبوني، لا بد أن أحابي الناخب اليهودي الذي له صوت يخدمني». اللوبي اليهودي يعمل ويصرف المال الكثير والجهد الكبير في دعم مرشحي الرئاسة الأميركية، فهل هناك لوبي عربي؟ فقط مجموعات صغيرة تعمل أحيانا لمصالح متناقضة مثل اللوبي اللبناني الذي كان وراء قانون محاسبة سورية أو «كير» كلوبي إسلامي صغير وهكذا.. عندما لا نشارك الناس همومهم فيجب ألا نتوقع منهم العويل في جنازاتنا.

دخول السعودية مع العالم لحل الأزمة الاقتصادية من خلال دعمها للمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سوف يعضد من دور العرب العالمي، فمتى ما دخل العرب مع العالم في قضايا مهمة مثل الاقتصاد لا بد أن العالم سيدخل بشكل أكثر إيجابية في القضايا التي تهمهم. السعودية اليوم لها كلمة في أي عملة يعتمدها العالم كوحدة أساسية للمخزون المالي العالمي، وسيكون لها رأي أساسي في سياسات صندوق النقد الدولي، ولا يستبعد أن يكون رئيس الصندوق يوما ما سعوديا أو صينيا، وبهذا تفك قبضة الغرب المطلقة على المؤسسات الدولية المالية مما يؤدي إلى سياسات مالية تنحاز إلى الدول النامية. لن يحدث هذا غدا ولكن على الأقل لم يعد مستحيلا.

في لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي استمر لضعف الوقت المحدد له، كان واضحا أن الرئيس الأميركي أراد أن يعطي إشارات بأن السعودية دولة مهمة، لذا لم يلتزم كثيرا بمدة الموعد الرسمي ومدد اللقاء. بدأ الاجتماع بحضور وزير الخارجية السعودي وسفير المملكة في واشنطن، وبقي وزير الخارجية السعودي لمدة ربع ساعة في أول اللقاء ثم خرج ليصبح اللقاء ثنائيا بين الملك والرئيس الأميركي، يحضره المترجم الرئاسي والسفير السعودي لدى واشنطن كمدون للملاحظات.

الحوار بدأ بالطريقة التقليدية، بالتذكير بعمق العلاقات السعودية ـ الأميركية التي دامت سبعين عاما، من دون أن تصيبها أي أعطاب تؤثر على المكون الاستراتيجي فيها. باعتقادي، أن العلاقات السعودية ـ الأميركية قد مرت بواحدة من أهم الامتحانات وأصعبها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 التي شارك فيها خمسة عشر رجلا يحملون الجنسية السعودية، ولو حدث أن كان هؤلاء من أي بلد آخر لرأينا تحريكا للجيوش ولسمعنا أزيز الطائرات ورأينا الأساطيل تمخر عبر البحار، ولكن أيا من ذلك لم يحدث، لأن العلاقة أمتن مما يصورها الكثيرون.

تطرق الحوار إلى التهديدات المشتركة التي تقلق البلدين، وكانت أفغانستان وباكستان أولوية في الحوار، ومن بعدهما إيران وخطرها الإقليمي والدولي إذا ما حصلت إيران على سلاح نووي، ثم الحديث عن حل القضية الفلسطينية كأساس لحل المشاكل في المنطقة العربية.

كان واضحا أن الرئيس أوباما (مذاكر) للقاء، على حد قول مصدر عليم، فهو يعرف الكثير عن الملك عبد الله، عن صراحته وصرامته وجديته، وأنه رجل «كلمته واحدة». ومن خلال ما رأيناه في الصورة التي نشرتها جريدة «الشرق الأوسط» والتي تظهر أوباما ينحني وهو يسلم على الملك السعودي، نتبين التقدير الكبير الذي يكنه الرئيس الأميركي للملك عبد الله. أوباما بالطبع هو زعيم لأقوى دولة في العالم، وانحناءته تقرأ في هذا السياق البروتوكولي الذي لا يقلل أبدا من قيمة الرجل.

اللقاء ركز على الطريقة التي تساعد بها السعودية الولايات المتحدة للوصول إلى صيغة استقرار في أفغانستان وباكستان، ودور السعودية الإقليمي في التعاطي مع الأزمة التي تسببها إيران للمنطقة. ففي الوقت الذي تحدث فيه الكثيرون عن أن أميركا قد «باعت» شركاءها في المنطقة عندما أعلن الرئيس أوباما نيته فتح حوار مع إيران، كانوا مخطئين. فالحوار الأميركي ـ الإيراني لن يمر فوق رأس السعودية بل سيكون للسعودية دور في رسم أولوياته.

من خلال هذا الدور المركب للمملكة العربية السعودية، دور يتداخل في السياسات المالية العالمية وفي الاستقرار الإقليمي، استطاع الرئيس أوباما أن يتفهم القلق السعودي فيما يخص عملية السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تفهمه لأنه أصبح جزءا من حديث أوسع وسياق أوسع وليس مجرد شكوى عربية اعتيادية تتحدث عن الظلم والكيل بمكيالين إلى آخر قصيدة «اللطم» العربية التي هي مجرد تعبير عن تظلم لا شراكة.

اللقاء بين الرئيس أوباما والملك عبد الله أسس لشراكة استراتيجية بين البلدين حول شبكة من القضايا لا قضية واحدة، ومن هنا تكون المملكة قد نجحت في الدخول إلى عالم الشراكة الدولية من مدخل الاقتصاد الذي هو سياسة في العمق. دخلت السعودية كلاعب في كأس العالم وليس في الدوري المحلي. السعودية دخلت عالم الاحتراف اليوم.

من كان يتصور أن قمة العشرين كانت قمة اقتصادية وحسب فهو مخطئ، لأن جل ما حدث في القمة كان سياسة دولية. الرئيس الأميركي طلب من الأوروبيين الكثير فيما يخص الحرب ضد «القاعدة» والحركات المتطرفة لدرجة جعلت مسؤولا أوروبيا يقول «لو أن بوش استمر إلى ولاية ثالثة لطلب الأشياء ذاتها، السياسة الأميركية لم تتغير في أسسها كل ما تغير هو الأسلوب، فأوباما بشخصيته الساحرة جعل الأوروبيين يوافقون على سياسة بوش التي كانوا رافضين لها».

المملكة العربية السعودية، كممثلة عن العرب، دخلت إلى ناد هو بمثابة مجلس إدارة العالم. وجود هذا الصوت العربي بقدراته المالية والثقافية يسهم في توصيل قضايا العرب إلى العالم بشكل أكثر مصداقية.. صوت لمن هم جزء في شراكة عالمية من أجل قضايا الاستقرار الكبرى في العالم، وليس صوتا مدفوعا بأنانية مصالح ضيقة.