قمة وأخبار

TT

انتهت قمة العشرين بلندن وسط اتفاقات بين الأعضاء على ضرورة دعم صندوق النقد الدولي بمبالغ نقدية كبيرة لتعزيز قدرته على المساهمة في تنشيط اقتصاديات الدول بشكل مباشر وفعال. وكانت جلسات الحوار مهمة، ولباراك أوباما محرجة جداً، فلقد تلقى وتحمل سيلا من اللوم والشكوى الموجهة من القيادات الأوروبية وتحديداً من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية ميركيل بسبب إخفاق الإدارة الأمريكية السابقة في قراءة وإدارة الأزمة المالية الكبرى مبكراً، وهشاشة البيئة التشريعية والرقابية على الشركات وعلى الأسواق. ولكن الاجتماع أيضاً وضح أن «الثقل» الاقتصادي الأمريكي الكبير سيكون إلى تراجع حاد وأن النسبة التي كانت أمريكا تشكلها من حجم الاقتصاد العالمي هي إلى انخفاض مؤكد، وأن النمو سيكون قادماً من لاعبين آخرين مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل وروسيا وغيرهم.

حتى قبيل انعقاد مؤتمر قمة العشرين كانت الأخبار القادمة من الأسواق الأمريكية تؤكد رياح التغيير التي تهب وبعنف على الاقتصاد الأمريكي، فها هي الشركات العملاقة في مجال صناعة السيارات وتحديداً جنرال موتورز وكرايسلر تمنح تاريخاً نهائياً لإصلاح ذاتها قبل إشهار إفلاسها، وسيتم في حالة جنرال موتورز تحديداً فصل رئيسها بأمر الإدارة الأمريكية، والكل يعتقد أن هذا التحرك هو تأهيل وإعداد الرأي العام الأمريكي لموجة من إغلاق المصانع وفصل العمال وبالتالي تقليص القدرة الإنتاجية لهاتين الشركتين اللتين تعبران عن ذهنية الاقتصاد القديم المبني على تخمة التكاليف ورداءة المنتج.

وكل ما يحتاج العاقل أن يعمله هو المقارنة بين السيارة الجديدة التي أنتجتها شركة «تاتا» الهندية العملاقة والمسماة باسم «نانو» وهي السيارة «الحلم» بالنسبة للعامة، إذ تقدر قيمتها بـ 2500 دولار أمريكي، مما يعني ثورة وانقلاباً في القدرة الشعبية على تملك السيارة، وبالتالي سيصبح بإمكان أعداد مهولة من الناس تملّك سيارة كانت بالنسبة إليهم من سابع المستحيلات، فيما لا تزال كل سيارة تنتج في أمريكا اليوم تحمل في إجمالي تكاليفها 2000 دولار لصالح النقابات العمالية ومصاريفها، فكيف سيكون بإمكانها المنافسة؟.

قمة لندن قدمت للعالم نظرة مستقبلية جديرة بالتأمل عن شكل الاقتصاد العالمي الجديد وكيف ستكون العلاقات بين الدول وحراك هذه العلاقات. فالصراع بين الدول المنتجة والدول المستهلكة سيتحول إلى «شراكة احتياج» على المدى القصير تحديداً، لأن العلاقات التنافسية المؤثرة لا يمكن تحملها اليوم بسبب فداحة النتائج التي قد تأتي معها. ولعل موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في المباحثات التي عقدت في القمة يؤكد ذلك، فالضغوطات التي تعرضت لها السعودية كانت كبيرة لأجل توجيه مبالغ من فوائضها المالية لصالح صندوق النقد الدولي، إلا أن رد خادم الحرمين الشريفين كان بليغاً ومنطقياً حين قال: إن الأولوية هي لصالح المشاريع التنموية في بلاده، وإن المبلغ الذي التزم به لصالح خطة الإنقاذ المالية الدولية وهو 400 مليار دولار سيصرف بأكمله داخل بلاده وعلى الشركات العالمية من البلدان العشرين وغيرها لتأهيل نفسها للاستفادة من «الشراكة» في هذه المشاريع فتصبح الفائدة عامة وتتحقق المصالح. كان رداً يمثل ويعكس الواقع الجديد لصوت الدول المستهلكة في اقتصاد عالمي يتغير. يراقب العالم الآن باهتمام شديد التشريعات والرقابات الجديدة المتوقع صدورها لأجل إدارة الأسواق والشركات والمصارف منعاً لتكرار ما حدث، وهذه في حين صدورها وتطبيقها ستكون بمثابة عنوان اقتصادي جديد تماماً.

[email protected]