بوابة الأمل

TT

أحجامها صغيرة وألوانها كثيرة وأسعارها من النوع الثقيل. وإذا صنفنا هذا النوع لوجدنا أنه من أكثر أنواع الأدوية مبيعا في عصرنا هذا وفي العصور التي سبقت. يسمونها أقراص السعادة لأنه من المفترض أن تحسن الحالة المزاجية للمصابين بالاكتئاب. وهم كثر.

لفت انتباهي خبر إذاعي التقطته أذني بنصف انتباه، وهو أن عشر سكان الجزر البريطانية يتعاطون الأدوية المضادة للاكتئاب. وبحسبة بسيطة أدركت أن سبعة ملايين شخص وما يزيد يسيرون في الشوارع ويجلسون في المقاهي ويعملون في مكاتب الشركات وفي قلوبهم مرض وفي عقولهم ظلال قاتمة وفي جيوبهم أقراص يتعاطونها في صمت. وحين ذكرت الخبر لزوجي ـ وهو طبيب ـ قال إن الأعداد تزيد على العشرة في المائة بكثير؛ لأن هناك ضحايا لذلك المرض اللعين لا يتلقون علاجا منه لأسباب كثيرة أولها أنهم لا يعرفون أن الأعراض التي تشل عقولهم وقلوبهم هي أعراض الاكتئاب. ثم أخبرني بأن نسبة المصابين بالاكتئاب بين الشعوب الأنجلوساكسونية ـ أي سكان بريطانيا وأميركا ـ أكبر بكثير من نسبة الإصابة بين الشعوب الأخرى.

تمتمت بصوت خفيض: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وصممت على معرفة المزيد. عرفت مثلا أن الطلاق هو أحد أسباب الإصابة بالاكتئاب. وتدحرجت المعلومات بين جنبات رأسي يمينا وشمالا وتساءلت: إذا كان الطلاق هو بوابة الدخول إلى عالم المكتئبين، فلماذا تنتهي نصف الزيجات بالطلاق؟

هل تراجعت قدرة الأزواج على التعايش مع شريك؟ أم أن اختيار الشريك لم يعد خاضعا لمقاييس عقلانية تؤمن الاستقرار والاستمرار؟ ولعل المفارقة الكبرى هي أن الأبحاث التي أجريت لمعرفة المزيد عن أثر مضادات الاكتئاب أكدت أنها قد تخفف أعراض المرض ولكنها تؤدي إلى ظهور أعراض شيخوخة مبكرة. والأدهى من ذلك أنها قد تخفف أعراض الإصابة، ولكنها حتما لا تشفي المرض.

وبما أن دوافع المكسب والخسارة هي المحرك الأول للمجتمع الرأسمالي، نهضت وزارة الصحة البريطانية للبحث عن مخرج من ورطة التكاليف الباهظة التي تتحملها الوزارة نيابة عن المرضى الذين يتلقون علاجا مجانيا على نفقة الدولة. في الوقت الحالي يجري تدريب 3600 أخصائي نفسي كحل بديل يعالج الاكتئاب بالتواصل الإنساني: بالإنصات لشكوى المريض ومعاونته على تحليل أسباب الإحساس بالعجز والعزلة.

ومن نتائج أبحاث أخرى نشرت مؤخرا، تبين أن ممارسة النشاط البدني تخفف أعراض الاكتئاب لأنها تؤدي إلى إفراز اندورفينات كابحة للألم في الجسم. إذا شعر المصاب بثقل الهموم فهرع إلى أقرب مسبح أو منتزه وأطلق لساقيه ولقدميه العنان وسمح لهمومه بأن تطفو على سطح الوعي لتبخر بعض منها كما يتبخر العرق في يوم شديد الحرارة.

وإن لم تكن الرياضة من هواياته فليضغط على أزرار الهاتف بحثا عن صديق أو قريب ويبادره قائلا: أنا مهموم. ثم يترك البقية لإنسانية الآخر ولقدرته على بذل العزاء والسلوى بسخاء.

وحيث لا يفلح هذا الأسلوب أو ذاك ينصح الباحثون باتباع علاج نفسي، يهدف إلى مقاومة الفكر السلبي الذي يسد بوابات الأمل.

أتحدى أي إنسان لم يجرب قتامة الإحساس بالحزن وكثافة الظلام المصاحب للإحساس بالعجز والأسى. فهي حالات تدخل ضمن التجربة الإنسانية على الأرض، إن لم تهزمها هزمتك. والحق أقول إن أدواتي الدفاعية في محاربة اكتئابي هي دعاء يفرج الهم ولحظة سكون تذكرني بنعمة الله علي وليس أقلها سمع وبصر وعقل وقلب.