انتخابات.. وسلاح

TT

بقدر أهمية الانتخابات التشريعية اللبنانية المقبلة في يونيو، والتي تستعد لها كل القوى السياسية هناك، فإن هناك مصلحة عربية قوية في نجاح هذه الانتخابات، باعتبارها تمثل مفصلا مهماً في تأمين الاستقرار، ومنع تكرار ما حدث في مايو العام الماضي حينما تحولت بيروت إلى ساحة معارك واستخدم السلاح الذي يصفه البعض بأنه سلاح المقاومة ضد لبنانيين آخرين.

وسط البرامج الانتخابية التي أعلنت حتى الآن، وآخرها الخاص بتيار المستقبل، في حمى الاستعدادات للانتخابات، لا تزال قضية السلاح، القضية الأبرز بين تيارين واضحين؛ الأول يقوده تيار المستقبل، ويعتبر أن السلاح يجب أن يكون محصوراً بالدولة، ولها وحدها الحق في قرار استخدامه، وتيار آخر على رأسه بالطبع حزب الله لأنه القوة المسلحة الأكبر في لبنان، ولديه أكثر حتى مما هو متاح للجيش، ولا يوجد ما يوحي بأن هذا التيار، أو الحزب بمعنى أصح، لديه أي نوايا للتخلي عن هذه الورقة في المستقبل المنظور.

ولا توجد أوهام لدى أي طرف، سواء محلي في لبنان أو مراقب في الخارج، بأن قضية السلاح يمكن أن تحل في الانتخابات المقبلة، أو بعدها، أياً كانت تركيبة المجلس النيابي أو الحكومة المقبلة في المدى القصير، خاصة أن المواقف على طرفي نقيض، وهذا السلاح تمت مراكمته على مدار سنوات طويلة وفقاً لأجندات إقليمية وليست لبنانية، وبالتالي فإن حل قضيته يحتاج تعاوناً إقليميا، في حين لو جرت محاولة حسم القضية محليا قصراً فقد يفتح الباب أمام مواجهات دموية لا أحد يستفيد منها.

ومع الاعتراف بهذا الواقع الفريد، فإنه لا يجب التهاون في الإلحاح على أن وجود السلاح في يد قوة غير الدولة لديها مجلس الحرب الخاص بها الذي يتخذ قرارات الحرب والسلام وحده ثم يخطر بها الدولة لتتحمل تبعيتها، هو أمر غير طبيعي ويخل بمبدأ السيادة والشرعية، وبالتالي يفتح الباب أمام تدخلات خارجية وتهديد وجود الدولة نفسه.

فهذا الإلحاح يساعد على تكوين رأي عام يؤدي على الأقل في المدى القصير إلى تحييد هذا السلاح، بما يجعل التلويح أو التهديد به في قضايا داخلية بمثابة انتحار سياسي للقوة التي تملكه أمام الرأي العام اللبناني أو حتى أنصار هذه القوة، وهم في النهاية لبنانيون لديهم مصلحة قوية في الاستقرار والعيش المشترك، والحصول على وظائف ومستويات معيشة مقبولة، وهو ما لا يستطيع حزب أو قوة تقديمه مثل دولة قوية مستقرة مهما كانت الميزانية التي يتلقاها من الخارج.

وعلى المدى الأطول فإن نجاح العملية السياسية، بالانتخابات وما بعدها من خلال تمثيل الواقع السياسي وفتح الباب أمام تطوير العملية السياسية نفسها، وتقوية الدولة ومؤسساتها بما في ذلك مؤسسة الجيش، وممارسة السيادة التامة على الحدود، وتطوير الاقتصاد المحلي الذي أثبت بعد الكثير من الأزمات أنه قادر على النهوض السريع، سيجعل حل قضية السلاح الموجود خارج الدولة أسهل، خاصة إذا ساعدت على ذلك التطورات الإقليمية. ففي النهاية فإن تعميم أو نشر ظاهرة الميليشيا التي تنافس الدولة أو حتى تحل محلها يعني القضاء على تطور اجتماعي وسياسي هام، كافحت شعوب المنطقة لتحقيقه وترسيخه، وهي وصفة للفوضى والخراب، خاصة إذا كانت الميليشيات هذه هويتها طائفية أو أيديولوجية معينة تريد فرضها على بقية الأطراف.