إسرائيل المسعورة

TT

هل حكومة إسرائيل بقيادة المتطرف بنيامين نتنيــاهــــــو، والتي تضم في صفوفها شخصية متعصبـــةمثل ليبــــرمان في منصـــب وزارة الخارجية قادرة على التعايش وعقد «سلام» مع وسطها العربي؟ الإجابة الفورية والسريعة تبدو «لا» مدوية. اليوم المجتمع الدولي يبدو أنه في موقف حرج جداً، فهو الآن مضطر للتعامل مع حكومة إسرائيلية بلغت من الوقاحة أنها لا تخجل من القول العلني إنها لا تؤمن بحل الدولة الفلسطينية والإسرائيلية وأنها لن تنسحب من هضبة الجولان السورية المحتلة، وأن كل ما ستعرضه هو حلول اقتصادية لتحسين أحوال الفلسطينيين فقط . وقد زاد من تأكيد هذا التوجه ما ذكره والد رئيس الوزراء الإسرائيلي حين قال إن ابنه «لا يؤمن أبداً بفكرة السلام مع العرب لأن العرب لا قناعة لديهم بفكرة دولة إسرائيل، وبالتالي السلام معهم عبث»، وأن العرب الموجودين في إسرائيل ليسوا فلسطينيين لأن هذا المسمى أطلق عليهم لاحقاً لأن فلسطين لا وجود لها. وهذا النوع من التصريحات الساقطة أقل الألفاظ تهذيباً التي يمكن أن يطلق عليها هو وصف التصريحات «النازية» لأنها تنتمي لعصر فاشي لا يمكن القبول به دون معاقبة ولا مقاطعة جادة. مقاطعة إسرائيل التامة والامتناع عن التعاطي معها لتنصلها من معاهدات واتفاقيات وتعهدات مضى على بعضها أكثر من 15 عاماً هو حل مطلوب، وهناك أصوات داخل المجتمع الدولي أصبحت تشبّه التصريحات الصادرة مؤخراً من إسرائيل بـ«الجنون». اليوم إسرائيل تحولت للعدو الأول لنفسها، مجتمع يحكم على نفسه بالإعدام التدريجي سواء مع محيطه العربي أو مع داخله المتضمن لـ 25% من سكانه من العرب. والعرب لا يزالون واضعين على طاولة المباحثات أهم عرض للسلام في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي: مبادرة سلام متكاملة النقاط مدروسة الجوانب، لم تلقَ أي تجاوب جدير بالاحترام من الحكومة الإسرائيلية، مما يظهر حقيقة النوايا تجاه فكرة السلام الكامل العادل. إسرائيل لن تستطيع «حل» المشكلة التي لديها مع شعبها العربي والفلسطينيين بالقمع والقوة والقهر، فهذه الأساليب أثبتت فشلها التام عبر سنوات ليست بالقليلة أبداً، بل على العكس تماماً هذه الأساليب لم تولّد إلا مزيداً من الغضب والحقد والضغينة، وأضافت عشرات الأسباب للاقتتال مع جيش إسرائيل المسعور ومحتليهم من المستوطنين المسلحين المهووسين. المشهد الإسرائيلي الملوث بالدم والقتل والجرائم والظلم والهمجية لم يعد من الممكن تبريره أبداً ولا القبول به أبداً. والحكومة الإسرائيلية الحالية لم تأت لتكون حكومة سلام ولن تكون، وعلى العرب البدء في التحضير جدياً للخطة «ب» فيما لو سحبت المبادرة العربية للسلام من فوق الطاولة، ولم تعد صالحة للنقاش، إنها العودة مجدداً للمربع الأول والبحث عن خيارات أخرى. كل معسكرات السلام المعلنة وغير المعلنة ستغلق أبوابها في وجه التسلط والجبروت، وستعلو أصوات أخرى لن تستطيع إسرائيل إسكاتها وسيكون الثمن غالياً. أكتب هذه الكلمات ليس خوفاً على إسرائيل، فهي لا تستحق، ولكن لعل في المجتمع الدولي من يقظة ضمير تعيد إسرائيل المسعورة لحارة الصواب قليلا وتوقظها من سكرات الجبروت حتى تحقن دماء الأبرياء التي اعتادت إسرائيل على إسالتها دون حساب.

[email protected]