المسلمون ليسوا بن لادن ونجاد

TT

كالعادة سارع البعض مشكورا إلى توزيع مقتطفات من مقالي السابق الذي كان عنوانه «اختيار باراك حسين لا يكفي»، وزعوها دليلا على أنني أحرض الإدارة الأميركية الجديدة على المسلمين. السبب أنني استشهدت بما فعله الرئيس أوباما وما بعثه من رسائل يقول فيها بأنه ليس خصما للمسلمين، من إطلاق سراح سجناء غوانتانامو، إلى وقف المحاكمات العسكرية، إلى غيرها من الأعمال التي كان يقصد بها التواصل الإيجابي مع العالم الإسلامي.

الحقيقة أنهم فتحوا سجالا مهما عندما اعترضوا على ما كتبته، فنحن بالفعل نختلف كثيرا، وأولا نختلف حول مسألة أساسية وهي تعريف المسلمين. فهم يختصرون المسلمين في تنظيم القاعدة وحكومة أحمدي نجاد المتطرفة ومن هم على شاكلتها، فهل هؤلاء المتطرفون يمثلون بالفعل مليار مسلم؟ بالتأكيد لا، فالمسلم العادي يعتبر تنظيم القاعدة أكبر خطر يتهدده، ومعظم النجاحات التي أفلحت في تقزيم «القاعدة» جاءت نتيجة رفض المجتمعات الإسلامية لهؤلاء ومحاربتهم في كل ركن من أركان العالم الإسلامي. ومعظم ضحايا الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي يشتكي منها أوباما، هم في الواقع مسلمون لا غربيون، من إندونيسيا إلى باكستان والعراق والسعودية وحتى المغرب في أقصى أفريقيا. والأمر مماثل بالنسبة لفكر أحمدي نجاد المتطرف الذي أشعل اليوم من النيران بين الفرق الإسلامية أكثر مما آذى الغرب. هؤلاء هم المشكلة التي عناها الرئيس أوباما عندما قال في كلمته إنه ليس كافيا أن ينتخبه الشعب الأميركي، كباراك حسين أوباما، للتعامل معها. فالاعتقاد أن جذوره الإسلامية ستطمئن المتطرفين وتنهي المواجهة، فيه سذاجة وجهل بوضع العالم الإسلامي. المسلمون ليسوا بن لادن ولا أحمدي نجاد، ولا يجوز الخلط بينهم. فنحن في حاجة، قبل أوباما لإنقاذ المسلمين من المسلمين المتطرفين، فعدوانيتهم وفكرهم آذى الإسلام والمسلمين ولا يعقل أبدا أن نتصور أن انتخاب رئيس أميركي من جذور مسلمة، وأبوه اسمه حسين سينهي المشكلة. الآن أوباما في خيبة لأن حكومة طهران استقبلت كل نشاطاته الإيجابية تجاه العالم الإسلامي، وتجاه إيران التي خصها بمعاملة أفضل، برسائل سلبية قولا وفعلا. ردت عليه بزيادة التخصيب، وتحدته بتجربة إطلاق الصواريخ البعيدة القادرة غدا على حمل السلاح النووي، وزادت من نشاطاتها التحريضية في المنطقة. كما فعلت «القاعدة» أسوأ من ذلك بتنفيذ عمليات إرهابية رغم أن أوباما أغلق غوانتانامو وأوقف المحاكمات العسكرية لمتهمي «القاعدة».

الذين اعترضوا على ما كتبته يريدون أن يختصروا العالم الإسلامي في شخصين: بن لادن، ونجاد، أمر يرفضه معظم العالم الإسلامي، بما فيهم كثير من الإيرانيين الذين يرون في برامج التسلح العسكرية نكبة سياسية واقتصادية وأخلاقية لبلادهم. أنا أعتقد، وأرجو أن أكون مخطئا، أن أوباما سيتوصل إلى نفس النتيجة السابقة التي توصلت إليها الإدارة السالفة أنه لا يمكن التفاوض مع الإرهاب، ولا مع نظام سياسي يعتبر مشروعه الوحيد فرض نفوذه على الغير وإقامة نظام مهيمن. هناك خلافات يمكن حلها بالتوافق مع تنظيمات معارضة، أو حكومات متمردة، إنما في حالتي قاعدة بن لادن وإيران نجاد لا أدري كيف يمكن التصالح دون تقديم تنازلات أكثر خطرا من السابق. «القاعدة» تريد هدم العالم مؤمنة بعقليتها التدميرية أن ذلك طريق الجنة. أما طهران نجاد فتريد ظهور المهدي المنتظر بحربها الشمولية على الكفار الذين يخالفونها الرأي والسياسة. فهل يمكن لأي منظر سياسي أن يقدم لنا حلا عمليا يرضي القاعدة والحكومة الإيرانية؟

[email protected]