حشود مهمة في أفغانستان

TT

إن محاولات إدارة أوباما الالتفاف حول الحرب الفاشلة في أفغانستان قد بدأت بالفعل، في مفترق طرق تنتشر فيه الأتربة على بعد 25 ميلا جنوب غربي كابل.

بفضل قرار اتخذته إدارة بوش في أواخر عهدها، تضاعفت القوات الأميركية الموجودة هنا وحول إقليم ورداك عشرة أمثال. ويجرى تطبيق استراتيجية مكافحة التمرد نفسها، التي اتبعت داخل العراق، التي يراهن عليها الرئيس أوباما في أفغانستان، للمرة الأولى، علما بأن أفغانستان أكبر وأفقر وتشهد أعمال عنف بمعدلات أعلى.

ويتحرك جنود من اللواء الثالث بالفرقة الجبلية العاشرة، تجاه نقاط حدودية على امتداد طريق يتجه غربا من كابل إلى إيران، وشرعت الدوريات في مباشرة أعمالها على امتداد الطريق الجنوبي المهم، الذي يؤدي إلى قندهار، الذي يتفرع كذلك من ملتقى الطرق هنا. ويعكف القادة الأميركيون مع محافظ الإقليم على تنفيذ قائمة تحوى عددا ًمن المشروعات التنموية، بتمويل من اعتمادات الجيش للاستجابات العاجلة. وفي غضون ذلك، تقوم القوات الخاصة بتدريب وتسليح «قوة حماية شعبية» تجريبية على غرار مليشيات المناطق في العراق.

وترى الغالبية في واشنطن، أن الأمور تنحدر إلى الأسوأ في أفغانستان مع نهاية الأسبوع، حيث زادت الخسائر هذا العام بمقدار الضعف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2008. إلا أن القادة الأمريكيين هنا في كابل وقندهار، تحدثوا بثقة عن مراجعة زخم الحرب، خلال لقاء جمعني وصحافيين آخرين بهم على مدار الأيام الماضية، في إطار جولة نظمها رئيس هيئة الأركان الجنرال ديفيد ماك كيرنان. وقال العميد مارك ميلى، نائب قائد القطاع، الذي يشمل إقليم ورداك: «إنها حرب، وفى الحرب تهمنا الحشود»، مضيفا، «سيفلح ذلك بمرور الوقت، فقد أثمر مرارا وتكرارا على مدى التاريخ».

القادة متفائلون إلى حد ما، لأنهم للمرة الأولى خلال سبع سنوات، يرون أن لديهم موارد كافية. وقال ضابط كبير في كابل: إنه على الرغم من أن إدارة بوش تحدثت عن خطط نبيلة، إلا أنها «وفرت موارد قليلة لهذه الحملة منذ البداية».

ولغرابة الأمر، فإن إدارة أوباما تبدو على الأرجح سوف تلبي أغلب طلبات ماك كيرنان، بخصوص القوات والخبراء المدنيين والمساعدات، إن لم يكن جميعها، حتى بعدما قللت من هذه التوقعات. وبعد سنوات عديدة حاولت فيها القوات الأميركية هزيمة طالبان عن طريق عمليات الاجتياح وغارات قواتها الخاصة، فإن طريقة محاربة التمرد، التي ابتكرها الجنرال ديفيد بترايوس، قد حظيت بالقبول دون تحفظات. ويقول ميلى: إن ما يحدث في ورداك ليس مجرد زيادة في عدد القوات، بل «حشود لمكافحة التمرد، فعليك أن تحشد المال والجسور والماء والكهرباء والزراعة والطرق، وكذلك الإدارة الحكيمة على المستوى المحلى». وخصص لحملة ورداك ميزانية قدرها 500.000 دولار أميركي، كمصروفات إعانة مبدئية لكل منطقة من المناطق الست بالإقليم، أو حوالي ثلاثة دولارات لكل أسرة.

ففي ورداك، كما هو الحال في جنوبي أفغانستان، تقوم القوات الأميركية تحتضن القادة المحللين، بينما تهمش في هدوء الرئيس حميد كرزاي، الذي تسممت علاقته بالقادة العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين. فمحافظ ورداك محمد حليم فدائي، كان لاجئا سابقا يتحدث الإنجليزية، وقضى أغلب فترات عمله لدى منظمات غير حكومية، تمولها الولايات المتحدة، وقد قبل الإستراتيجية الجديدة بحماس. إلا أن فدائي قال: إن من انتخبوه لديهم ترحيب أقل كثيرا بظهور الأميركيين بأعداد كبيرة. وقال أثناء تناوله الغذاء في مجمعه، المقابل لقاعدة أميركية زاد عدد الجنود فيها من مائة إلى أكثر من ألف جندي: «الناس خائفون من أن تتحول قريتهم إلى ساحة معارك». هم قلقون أيضا من أن تعيد «قوات الحماية» أمراء الحرب الذين ملأوا أفغانستان رعبا على مدى العقدين الماضيين.

وتظهر صناديق الاقتراع فرصة لاستمالة الشعب، حيث أن أقل من 5 في المائة يقولون إنهم يدعمون طالبان، بينما أكثر من 60 في المائة ما زالوا يقبلون بوجود قوات أجنبية، لكن، «يستطيع 10 في المائة الإبقاء على الحرب مستمرة لفترة طويلة»، حسب ما يقوله ميلي. ويضيف: «إنهم يستطيعون خلق جو من الخوف، ويستطيعون إقناع أناس في أفغانستان وباريس ونيويورك بأن هذه معركة خاسرة، وأنك هنا في مقبرة الأباطرة وأنك الآن في المحطة الأخيرة ولن تستطيع الفوز».

يبدو أن هذا أكثر ما يخشاه القادة هنا: لا أن تفشل القوات الإضافية في إزاحة طالبان عن الطرق حول كابل ووسط الباشتون في الجنوب، بل أن تترك الحكومات الغربية ـ بما في ذلك إدارة أوباما المتأرجحة ـ الحرب قبل أن تؤتى إستراتيجية مكافحة التمرد ثمارها. الكل يتوقع زيادة في أعمال العنف والخسائر الأميركية هذا العام، ولا يتوقع أحد تحسنا حاسما في الوضع على الأقل لسنوات قادمة. ويعتقد ماك كيرنان، أن جيش أفغانستان الآن البالغ قوامه 80 ألف جندي يجب أن يصل إلى 240 ألف حتى يستطيع وحده الدفاع عن البلاد، وأن الوصول بالجيش إلى هذا العدد لن يحدث قبل عام 2016. هل أوباما مستعد، أو لديه المقدرة السياسية على تكريس فترة رئاسته برمتها لحرب دامت سبع سنوات؟ يستحق الآلاف من الجنود والمدنيين الذين يتدفقون على هذا البلد هذا الصبر الاستراتيجي، الذي من دونه ستضيع التضحيات التي سوف نسمع عنها قريبا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»