خواطر حول أثرهما الجميل.. عربيان بهيان من أفريقيا

TT

لم ينتم الصادق النيهوم في ليبيا إلى أحد، وإنما أثار حول نفسه إعصاراً لطيفاً من الشغف الثقافي. غاص في الأعماق في عالم عربي مسطح. أحب مغنية أميركية تدعى جوان باييز لأنها غنت للعدالة. وأحب ستيفن بيكو ونيلسون مانديللا. وأحب الكتب وجعلها حياته ومثواه. ومثله ظل الطيب صالح خارج كل الأطر والمربعات والمثلثات والمستطيلات الضيقة والخانقة. وفوق هودج من الكتب ترحل في الروح وفي الجسد. وحاول، ليس أن يصلح السودان، بل أن يكون إصلاحياً فيه.

في كتابه «وطني السودان» نقرأ رحلة الطيب صالح الطويلة مع الخيبة الكبرى. اقرأ ما كتب قبل ربع قرن وكأنه يرسم صورة اليوم: «إن العلاقات بين الأمم ليست لعباً وشطارة، ولكنها بشر يتعامل مع بشر، وعقول تحاور عقولا، ومصالح تعطي وتأخذ، وحضارة تلاقي حضارة». يتساءل أين ذهب السودان الذي مضى، الذي كان فيه «خدمة مدنية يضرب بها المثل في الكفاءة والنزاهة، ونظام تعليمي بني على أسس متينة، ومعهد للتربية في بخت الرضا، ليس له نظير في أفريقيا باستثناء مصر».

لا يطيق الطيب صالح أن يأتي سوداني عملا لا يليق بصورته وسمعته. وعندما يتحدث عن سقوط جعفر محمد نميري يقول: «كان يظن أنه يحسن صنعاً. كان سودانياً كسائر السودانيين. الذين يعرفونه يقولون إنه رجل دمث وديع خجول. وهو أمر يبدو غريباً في إنسان ضرب جزيرة أبا بالقنابل وشنق عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ، وقتل صديقة الحميم الذي مكن له في الحكم، فاروق حمدنا الله، وقتل الرجل الشيخ محمود محمد طه. إنه حتماً لم يرد شيئاً من هذا أن يحدث. ولكن هذه الأمور تبدأ صغيرة ثم تكبر، وشيء يقود إلى شيء، فإذا بالرجل الوديع الخجول يتحول إلى سفاح».

ثم يستدرك قليلا، واضعاً كل اللوم على شهوات العسكر: «لو أن أخانا جعفر محمد نميري لم يذعن لذلك الإغراء الفتاك، إغراء المجد والخلود، ولم يستيقظ مبكراً ذلك اليوم بالذات ولم ينتزع الحكم من أهله، لعله كان ينتهي به الأمر قائداً للجيش ثم يتقاعد قرير العين».

إلى اللقاء