من غرق إلى نجاة إلى غرق: هذه حياتنا!

TT

في الأدب الفرعوني قصة اسمها «حكاية الغريق»، وهي قصة فلسفية. واحد كان في سفينة أطاحت بها الأمواج؛ فغرقت. ولم ينج منها إلا الذي حكى لنا هذه القصة. فقد جاءت موجة وألقت به إلى شاطئ جزيرة.. وكان سعيدا بالنجاة، ولكن الجزيرة كانت مهجورة. ومكث ثلاثة أيام يتوارى من المجهول الذي جعله يخاف الليل والنهار. وفجأة جاء ثعبان ضخم له رأس إنسان، وسأله «ما الذي أتى بك إلى هنا؟. انطق حالا، وإلا سحقتك ترابا..».

فحكى له قصته.. وكان الثعبان قد توقع ذلك.. فقال له «ما أروع أن يحكي الإنسان ما حدث له، بعد أن وصل إلى بر الأمان». ثم قال «وأنا أيضا كنت في سفينة، وتحطمت السفينة من الرياح والأمواج، ثم ألقت بي الأمواج إلى هذه الجزيرة التي فيها كل أنواع النباتات والحيوانات. وإذا كنت رجلا شجاعا، فيجب أن تتحمل، وأن تصبر. وسوف تعود إلى أهلك سالما غانما. وحدثهم عني..».

وشكره وقال «أريد أن أشكرك أنا وأمير البلاد على كرمك ولطفك، وسوف نبعث إليك بخيرات بلدنا». قال له الثعبان «لا تفعل، فأنا لا أحتاج إلى شيء.. ثم إن هذه الجزيرة سوف يغرقها البحر. وأنا معها. ولكن يكفي أنني نجوت، وأنك نجوت لتروي للذين من بعدنا ما جرى لنا. وكل شيء له بداية، فله نهاية أيضا..».

هذه القصة موجودة على ورقة بردي في مكتبة ليننجراد (سانت بطرسبورج) بروسيا. وهي قصة كاملة من بدايتها إلى نهايتها..

والمعنى لهذه القصة هو أن الذي يغرق سوف ينجو.. وسوف يحكي للناس ما حدث، ويكون سعيدا، ولكن في كل الأحوال يجب أن يكون شجاعا، وأن يكون قادرا على تحمل الألم، وإلا، فلا معنى لهذه القصة. حتى الجزيرة سوف تغرق، وقد ينجو الثعبان، أو تنتهي حياته ويموت معها.. ولكن بعد أن قال كلمته لأجيال من بعده..

والمعنى: «لا تحزن على ما أصابك. يكفي أنك قادر على حكاية ما حدث.. والحكاية هي عمر ثان للإنسان، فليفرح بالحياة. أما الموت، فهو نهاية كل إنسان، ولا خوف من النهاية!».