عنصرية إقليمية

TT

كما ذكرت في مقالتي السابقة، كثيرا ما لجأت الأغلبية إلى إلصاق تهمة البخل ببعض الأقليات. رويت منها كيف دأب البغداديون على التفكه بالنكات والتقليعات على أهل الموصل وبخل المصالوة. في مصر حذا حذو البغداديين الظرفاء في التنكيت على بخل الرشايدة، سكان مدينة الرشيد. يقولون إنك إذا ذهبت في زيارة أو مهمة إلى هذه المدينة، وشاء سوء حظك أن تلتقي بأحد أصدقائك من سكانها بادرك بالقول: «والله كم كان بودي أن أدعوك لتناول العشاء معا، أنا وأنت، لولا أني أعرف كثرة أشغالك ما تسمح لك تشرفني بزيارتك».

تلتقي بصديق آخر صدفة في السوق، فيبادرك بسؤال البخلاء التقليدي: «إمتى ح ترجع لبلدك؟».

ويروي الظرفاء حكاية الرشايدي الذي غامر وقرر ألا يمشي على رجله بل يركب الأوتوبيس. اشترى نصف بطاقة وركب. جاء المفتش يسأل عن التذاكر فعرضها عليه. فقال له: «ولكن يا افندم التذكرة دي نص تذكرة للصغار. فأجابه قائلا: «ما أنا أصلي ركبت الأوتوبيس لما كنت صغير!».

قلما يوجد بلد عربي لم تظهر فيه أمثال هذه النكات العنصرية أو الإقليمية. في فلسطين اعتاد القوم على روايتها بحق الخلايلة (سكان مدينة الخليل) وأهل بيت دراس. قالوا إنك عندما تزور أحدا من سكان هذه البلدة يرحب بك ويقول: تفضل اجلس، اجلس. خليني أعمل لك صحن سلطة نتغدى بيها أنا وانت».

النكتة في الحقيقة لا تصور البخل بقدر ما تصور الفقر الذي عاشه ويعيشه الفلسطينيون. ها هو رجل لا يملك في بيته غير بضعة أوراق من الخس وكم حبة بندورة.

وإلى الشرق من فلسطين، يسخر الأردنيون من أهل بلدة الصريح ويتهمونهم بالبخل والحرص. يقولون إن الحافلات تنقل الركاب من اربد إلى الصريح وبعدها إلى الحصن التي تبعد عنها ببضعة أميال. ولكن إدارة الباصات تتقاضى أجرة واحدة بالسفر لأي من البلدتين رغم اختلاف المسافة. اشتكى صرايحي من هذا الغبن. وعندما ركب الحافلة ظل راكبا فيها حتى تجاوزت بلدته الصريح ووصلت الحصن فنزل بعد أن استوفى كامل حقوق التذكرة، ثم عاد ماشيا على قدميه إلى بلدته حاملا كل عفشه ومتاعه على كتفيه، ولكنه كان سعيدا باستيفاء كامل حقوق التذكرة!

المعتاد في نكات البخل أن تنطوي على براعة ولوذعية في الحرص والطمع كما سنجد في مقالاتي القادمة، ولكن هذه النكتة تنطوي على سذاجة وغباء بالإضافة إلى الحرص والبخل. وهو ما لصقه السوريون دوما بأهل حمص، حيث تمتزج سذاجة الحمامصة الشهيرة بالبخل والطمع. ولنا في كل ذلك عود محمود إن شاء الله.