الله يستر

TT

الشرق الأوسط منطقة سياسية ملغمة، فيها ما يبكي وفيها ما يضحك. فيكفي أن البلدين الوحيدين اللذين يوصفان بأنهما الديمقراطيتان الحصريتان في المنطقة هما إسرائيل ولبنان! وهذا طبعا قمة السخرية السياسية، فإسرائيل هي دولة عنصرية تماما تعتز وتفتخر بأنها «دولة يهودية»، وبالتالي كل مواطنيها من غير الديانة اليهودية كالمسلمين والمسيحيين والبهائيين والدروز وغيرهم يعاملون «رسميا» كمواطنين من الدرجة الثانية، برضا وعلم القانون! أي ديمقراطية هذه؟ هذه في الواقع ما هي إلا تأكيد للتفرقة العنصرية البغيضة التي تفتخر إسرائيل بتكريسها ضمن دستورها، ومن ثم بعد ذلك يجرؤ من يسميها بـ«الديمقراطية»، مع ضرورة احترام الإعجاب بسلطة القانون وحق التحقيق وقوة العدالة على رأس كل مسؤول في الحكومة بشكل يدعو للذهول في بعض الحالات. وطبعا هناك الديمقراطية العجيبة الغريبة الموجودة في لبنان، وهي أعتقد أنها يطلق عليها مسمى الديمقراطية من باب العجائب. فالمتابع للشأن السياسي في لبنان يدرك ويجزم تماما أن النهج المتبع هو قمة العصبية الطائفية، وهو تكريس تام لمبدأ التقسيم والشرذمة في بلد فيه طائفة لكل مواطن. المتابع للشأن السياسي في لبنان لا يمكن سوى أن يصاب بالذهول من استمرار نفس الأسطوانات والمطالب العقيمة المشروطة منذ عشرات السنين، والبلد الآن يستعد للدخول في انتخابات نيابية مصيرية مهمة، وبدأت السجالات البينية بين أطراف الصراع، فتستمع إلى أطروحات واتهامات وادعاءات هي أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الطرح السياسي العقلاني. حوارات بين الأطراف مليئة بالعقم والنشاز ولغة ساذجة تستخدم مفردات لا يمكن أن تلقى القبول العام ولا تقدم الحلول المرجوة. فالأطراف كلها تتهم «البعض» بأبشع التهم دون أن يعرف أحد من هم «البعض» المقصودون لليوم! وعندما تستمع للحلول المقترحة من الأطراف لا بد أن يكون لديك تخصص في الفيزياء أو الإحصاء لفهم ذلك، فهذا الطرف يقترح حل الثلث المعطل، وهذا الفريق يقترح حل الأغلبية زائدا واحدا، وغير ذلك من الحلول ذات الطابع الجدلي البيزنطي، وهي جميعها تخجل اليونانيين أنفسهم، أول من اخترع فكرة الديمقراطية أساسا. وطبعا هذا جزء، يأتي إلينا الإبداع الآخر أمام سلسلة من المفردات التي تحتاج إلى قاموس القواميس لفهم المقصود وكشف المراد، مفردات مثل الاستحقاق والموالاة والمقاومة والمعارضة والأغلبية و8 آذار و14 آذار وغير ذلك من الأحزاب والمذاهب والطوائف، تجعل الساحة السياسية مزدحمة «عالفاضي» ومسببة لصداع مؤلم، وبالتالي المشهد السياسي مهما صور أنه جاد ودرامي لا يمكن أن يؤخذ بالجدية الكافية، وبالتالي لا يمكن أن يكون ما يقدم على الساحة اللبنانية هو ديمقراطية حقيقية، وإنما ببساطة هو شكليات تقتضيها «الظروف» من أجل غايات أخرى، وكل الأمل ألا يكون المثال اللبناني هو هدف للعرب يحتذونه ويقلدونه. لأن ما يحدث في لبنان ليس بديمقراطية ولا تمثيل عادل وسوي لفئات الشعب بأسلوب فيه تقدير واحترام للكل. وكل الأمل أن يعي اللبنانيون مسؤوليتهم ويمرروا هذه الانتخابات على خير، لأن الداء اللبناني حين يصيب، الكل العربي يعاني منه وينزعج بشكل لا يمكن تحمله.

[email protected]